أعدم النظام القيصري ألكسندر أوليانوف، فانتقم لينين بتدمير الإمبراطورية الروسية بأسرها.
البداية من نهر النيفا الذي يبدو عند التقائه ببحر البلطيق أكثر عرضا عند مدينة بطرسبورغ، إلا أنه نهر قصير، ينبع من أكبر بحيرة في أوروبا، بحيرة لادوغا، بالقرب من قلعة "أوريشيك" الروسية القديمة.
هذه القلعة ظلت تحمي روسيا لقرون طويلة من التوسّع السويدي، وقد احتلّها السويديون لما يقرب من 100 عام. وخلال الحرب العالمية الثانية، وبفضل هذه القلعة، احتفظ الجيش السوفيتي الأحمر بالقدرة على نقل الأسلحة والمواد الغذائية على طول ما كان يسمى بـ "طريق الحياة"، عبر بحيرة لادوغا إلى مدينة لينينغراد المحاصرة، التي أغلقتها القوات الألمانية والفنلندية، ومات منها حوالي 1.1 مليون روسي من الجوع ومن القصف الألماني والفنلندي للمدينة، من بينهم 700 ألف من المدنيين. دمّر الألمان القلعة بالكامل تقريباً، إلا أنها على الرغم من ذلك صمدت.
في أوقات السلم، زمن الإمبراطورية الروسية، كانت القلعة تستخدم لاحتجاز السجناء السياسيين، ومعظمهم من الإرهابيين الروس من تنظيم "نارودنايا فوليا" (الإرادة الشعبية)، الذين كانوا يحاولون، بإصرار مجنون، اغتيال القياصرة الروس، وأحياناً كان النجاح يحالفهم.
هنا، في عام 1887، أُعدم شقيق لينين الأكبر، ألكسندر أوليانوف، الذي أقدم على محاولة فاشلة لاغتيال القيصر، ألكسندر الثالث.
وكما تعلّمنا في المدارس السوفيتية، فقد قال لينين، حينما علم بحادث الإعدام: "إذن، سنذهب في اتجاه آخر"، فنبذ الإرهاب لصالح النضال الثوري من أجل إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة.
ومع ذلك، فبعد أن حقق لينين وتروتسكي نجاحاً في تدمير الإمبراطورية الروسية، والاستيلاء على السلطة، تعرّضوا لهزيمة ساحقة على يد ستالين، الذي جسّد نهج الحفظ والإبداع، حتى وإن كان ذلك بأساليب شديدة القسوة. من نواح كثيرة، كان ستالين، على الرغم من كل تناقضاته، هو الذي قام بترميم الإمبراطورية الروسية، ولكن بوجه اشتراكي، وهو ما وفّر له دعماً من الطبقة الحاكمة الجديدة ومن الشعب الروسي.
أما لينين، فقد كان شخصية تاريخية أكثر دموية من ستالين، تلطخت يداه بدماء الملايين من الشعب الروسي، وتدمير الدولة الروسية. ومع ذلك، فقد تميّز بالمرونة، وما إن واجه فشلاً كاملاً في محاولات الانتقال الفوري إلى الشيوعية، عاد من فوره إلى نهج الرأسمالية البورجوازية الصغيرة في إطار "السياسة الاقتصادية الجديدة" NEP.
وبشكل عام، ومع كل السلبيات وبعض الطوباوية الاشتراكية، كان لدى الشيوعيين نظرية اقتصادية متطورة.
إن الإسلاميين في الدول العربية، تعريفاً، لا يمكن إلا أن يكونوا مدمّرين، لأنهم يفتقدون أي أجندة اقتصادية على الإطلاق. ومحاولات جرّ المجتمع إلى نماذج قديمة مبسطة، هو بالتأكيد طريق إلى كارثة اقتصادية واجتماعية. فالإسلام ليس نظرية اقتصادية.
تعاني البلدان العربية من أمراض شتّى، ولديها كثير من المشكلات، بين الانفجار الديموغرافي، وشح الموارد، وعجزها عن إيجاد مكان لها في النظام الاستعماري الجديد لتقسيم العمل، ومن بدائية المجتمع المدني، بل ويعاني عدد من البلدان من حكم أنظمة سياسية قديمة.
تؤدي كل هذه التحدّيات إلى مطالب عامة وضخمة بالعدالة، وهو ما نجح الإسلاميون في تلبيته.
ومع ذلك، قليل إلى جانب الإسلاميين يهتمّون بقضايا المساواة الاجتماعية، لكن الإسلاميين، في محاولتهم للإجابة عن التحديات الاقتصادية، يأتون بإجابات من المجال الأخلاقي والديني، لا من المجال الاقتصادي. وهذا طريق مسدود، طريق للدمار، بلا احتمالات للخروج من هذا النموذج.
ولكن، بمجرد أن يتوقف الإسلاميون عن تقديم إجابات دينية عن الأسئلة الاقتصادية، فإنهم سيتوقفون عن كونهم إسلاميين. سيتم على الفور إخلاء المكانة الشعبوية، التي سيحتلها إسلاميون جدد.
فهل بإمكان العرب الانتقال إلى مرحلة ستالين من "الخلق" و"الإبداع"، متجاوزين مرحلة لينين "التدمير"؟
لا أدري، ولكني حتى الآن، وفي رأيي المتواضع، لا أرى في الأفق مدعاة لتفاؤل كبير. إلا أن الأمر يستحق المحاولة، إذا ما حكمنا من خلال التاريخ الروسي.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف