أصدق التهاني للشعب العربي .. يبدو أن الاتحاد السوفيتي يبدأ رحلة العودة
هناك مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لإثارة حرب أوكرانية روسية في المستقبل القريب.
قبل الانقلاب الذي حدث في أوكرانيا عام 2014 بأيادٍ أمريكية أوروبية، كان هذا البلد المصطنع مقسّم إلى جزئين متساويين تقريباً، غرب منجذب نحو أوروبا، وشرق وجنوب منجذب نحو روسيا. وبسبب التدهور المستمر للاقتصاد الأوكراني، وتدني مستويات المعيشة، كان من الصعب على أي قوة سياسية أن تستمر في السلطة لفترة طويلة. وأدى ذلك الانقسام إلى تبادل في المسار السياسي ما بين مسار موالٍ للغرب ومعادٍ لروسيا، وآخر أكثر صداقة مع روسيا. ومع ذلك، تعلن جميع القوى السياسية الأوكرانية أن هدفها التقارب مع الاتحاد الأوروبي.
هل ترغم موجة البرودة العالمية 100 مليون أوروبي على الهجرة إلى السعودية؟
نتيجة لذلك، ظلت أوكرانيا محايدة، وهو ما كان يناسب الكرملين بشكل عام. وعلى المستوى العاطفي، قبلت روسيا قيادةً وشعباً باستقلال أوكرانيا المحايد، واختفت أوكرانيا عملياً من شريط الأنباء الروسي.
تمثّل أوكرانيا الغربية، الموالية لأوروبا، بلداً زراعياً، أقل تطوّراً من الشرق والجنوب، يحلم سكانها بالسفر دون تأشيرات إلى مزارع بولندا ودول الاتحاد الأوروبي لرعاية الخنازير هناك. أما شرق وجنوب أوكرانيا، الصديق لروسيا، فيتحدث اللغة الروسية، وهي مناطق متطورة صناعياً، تغذّي البلاد بأكملها. يرتبط اقتصاد هذا الجزء من أوكرانيا بالاقتصاد والسوق الروسيين بروابط وثيقة للغاية. فالغرب لا يحتاج إلى الصناعة الأوكرانية، الغرب على العكس يسعى لتصفية هذه الصناعة، وإفراغ السوق الأوكرانية أمام البضائع الغربية. أدرك الأوكرانيون في الشرق والجنوب ذلك، ويسعون إلى تطوير علاقاتهم مع روسيا.
وعلى الرغم من أن معظم الأوكرانيين يودون المعيشة في أوروبا، إلا أن السم المدسوس في هذا العسل لعب دوراً قاتلاً في انهيار أوكرانيا كدولة.
وفي كل مرة وصلت فيها القوات الموالية للغرب إلى السلطة في كييف، قطعت بالقوة العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وانهار إثر ذلك الاقتصاد الأوكراني، ثم في الانتخابات التالية، وصلت القوى الصديقة لروسيا إلى السلطة، واستعادت الاقتصاد المنهار، ليقوم الغرب بعد ذلك بانقلاب من جديد، وهو ما تكرر عامي 2004، و2014، لتعود القوى الموالية للغرب إلى السلطة مرة أخرى.
ولكن، بعد انقلاب عام 2014 الذي نظّمته الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، تغيّر كل شيء.
في هذه المرة، تسببت إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا، والانفصال الفعلي لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، إلى خروج أكثر من 5 ملايين ناخب موالٍ لروسيا من أوكرانيا، وتحويل ميزان القوى في المجتمع الأوكراني بقوة لصالح مسار مؤيد للغرب. وبعد قطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا مرة أخرى، بدأت صناعات بأكملها في الانهيار داخل أوكرانيا، ولكن هذه المرة إلى الأبد.
درس في التاريخ الروسي لجوزيف بايدن
نظراً لذلك، أصبح فشل أوكرانيا حتمياً، وفقد الاقتصاد الأوكراني والدولة الأوكرانية فرص البقاء على قيد الحياة.
الآن، يقترب المشروع الأمريكي "أوكرانيا المعادية لروسيا" من الانهيار، لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى.
وحتى 2014، كانت موسكو، بالإضافة إلى حفاظها على استمرار عمل الصناعات الأوكرانية، تبقي أوكرانيا على قيد الحياة من خلال قروض بمليارات الدولارات، والتي ترفض أوكرانيا الآن سدادها، ناهيك عن إعانات سنوية بمليارات الدولارات في شكل غاز مجاني أو أرخص سعراً.
بعد الانقلاب، دارت أوكرانيا حول العالم استجداءً للمعونات والصدقات، فحصلت على بعض الدعم من صندوق النقد الدولي، وشيئاً من الاتحاد الأوروبي، أو شيئاً آخر من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، لكن مساعدة تلك الأطراف كانت تستهدف بشكل مباشر زيادة القوة العسكرية لأوكرانيا، وليس الحفاظ على الاقتصاد ومستويات المعيشة. ومقابل كل سنت، طالب الغرب الحكومة الأوكرانية بالتخلّي عن الدعم الاجتماعي للسكان، وفتح السوق الأوكرانية أمام الغرب، الأمر الذي قضى على بقايا الصناعة المحلية. وعلى أي حال، فإن مساعدة الغرب لم تكن كبيرة، لأنه أدرك أن أوكرانيا هي ثقب مالي أسود، يتطلّب عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، وقد يستمر للأبد.
هذا، بالمناسبة، هو السبب في مقاومة واشنطن الشرسة لبناء خط الغاز "السيل الشمالي-2"، لأن الحفاظ على نقل الغاز عبر أوكرانيا يسمح لها بمواصلة استنزاف روسيا، ويسمح للغرب بتحميل موسكو تكاليف العناية بالحكومة الأوكرانية المعادية لروسيا.
كان الأمل الأخير لأوكرانيا في الحصول على مساعدات كبيرة هو الصين، ولكن تحت ضغوط واشنطن، قامت الحكومة الأوكرانية بسلب حقوق المستثمرين الصينيين الذين استثمروا مئات الملايين من الدولارات في الاقتصاد الأوكراني، الآن لم يعد هناك أمل في الصين أيضاً.
نتيجة لكل هذا، فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في أوكرانيا على شفا الكارثة، وما يتبعها من أعمال شغب من قبل السكان الغاضبين. انهارت شعبية الحزب الحاكم، ما دفع بالمهرج السابق والرئيس الحالي، زيلينسكي، بالبدء في قمع الأحزاب المعارضة، وإغلاق القنوات التلفزيونية.
بالتوازي، تتبنى كييف، خطوة إثر أخرى، قوانين ولوائح تهيل التراب على اتفاقيات مينسك، التي أوقفت الحرب في الدونباس. كما شنّت القوات الأوكرانية حملة جديدة من القصف المدفعي المكثف على مدن جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
متى تعتنق أوروبا الإسلام؟
كما أن هناك جانب آخر، فالقوى الموالية للغرب في كييف، وعلى الرغم من تصريحاتها، تحجم عن إعادة شبه جزيرة القرم ودونباس إلى سيطرتها، لأن ذلك سيعني عودة الناخبين الموالين لروسيا، ومن ثم العودة إلى النموذج الذي يمكن من خلاله عودة القوى الصديقة لروسيا إلى السلطة.
لذلك، ليس لدى كييف أي خوف من الحرب مع روسيا، فهي مستعدّة للخسارة، وتتوقع فقط أن واشنطن لن تسمح بتصفية أوكرانيا كدولة، وفقدان قطعة صغيرة من الأراضي في الشرق، على العكس، سوف يقلل من نسبة الناخبين المؤيدين لروسيا، وبالتالي تعزيز قوة النظام.
يريد النظام في كييف، كما تريد واشنطن شنّ حرب في شرق أوكرانيا، وتوريط روسيا فيها. كلاهما يريد القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، فنظام زيلينسكي يسعى لتجنب الثورة الوشيكة، من خلال سحق المعارضة وحشد دعم السكّان في مواجهة "العدوان الخارجي". كما ستزيد الحرب من المساعدات الغربية، وتمحو كل الإخفاقات الاقتصادية. وسرعان ما ينفد الوقت لدى واشنطن قبل قتالها مع بكين، وقبل ذلك يجب عليها بالضرورة تحييد موسكو.
إلا أنه من المرجح أن تختلف الخطط المستقبلية بين كييف وواشنطن لمسار الحرب.
فكييف تأمل في إشراك القوات الأمريكية وحلف الناتو على الفور في حرب مباشرة مع روسيا. وليس عبثاً أن منحت كييف مؤخراً الطائرات العسكرية لحلف الناتو حق التحليق فوق شبه جزيرة القرم، التي هي جزء من الأراضي الروسية، بينما لا تزال كييف والغرب يعتبرانها رسمياً إقليماً أوكرانياً. إن تنفيذ مثل هذا الاستفزاز يمكن أن يشعل على الفور حرباً أمريكية روسية مباشرة، لأن أي طائرة أمريكية فوق شبه جزيرة القرم سيتم إسقاطها فوراً.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية لديها خطط أخرى، فهي ربما تريد شنّ حرب شاملة بين روسيا وأوكرانيا، وبيع الأسلحة للأخيرة، ولكن من دون تدخلها المباشر. فواشنطن تهدف لا لإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا، بقدر ما تريد إضعافها وإثارة اضطرابات داخلية بسبب الخسائر الاقتصادية الحتمية وموت الجنود الروس في أوكرانيا.
وكان من المفترض أن يساهم مشروع "نافالني"، الذي توقّع منه الغرب انهيار شعبية الرئيس بوتين، وبدء الاحتجاجات الجماهيرية على نطاق واسع، في تحقيق هذا الهدف. فالهدف النهائي للغرب هو انهيار روسيا من الداخل، على غرار الاتحاد السوفيتي.
على الجانب الروسي، هناك عامل جديد مقارنة بالسنوات الماضية:
يبدو أن النخبة الروسية فقدت الأمل أخيراً في الانضمام إلى المشروع الأوروبي بحقوق متساوية، وقد أظهرت مقابلة حديثة مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استعداد روسيا من حيث المبدأ، نفسياً، لتقبّل انتهاء التعاون مع أوروبا.
ويعني ذلك، من بين أمور أخرى، اختفاء الرادع القوي الذي حدّد العلاقات مع الغرب طوال الثلاثين عاماً الماضية، وهو رادع ضبط النفس المذهل والاستثنائي لموسكو، التي لم ترد بقسوة على الاستفزازات والأعمال العدوانية التي لا تعد ولا تحصى من الغرب، من دعم الانفصاليين والإرهابيين في الشيشان وشمال القوقاز، وتنظيم انقلابات في أوكرانيا وغيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة على حدود روسيا.
عفواً الرياض.. لا شيء شخصي، إنه البيزنس!
الآن، قد ينتهي أي هجوم من قبل الجيش الأوكراني على أراضي جمهوريتي دونيتسك أو لوغانسك برد عسكري من روسيا، نظراً لأن أكثر من 400 ألف شخص قد حصلوا على الجنسية الروسية يعيشون على تلك الأراضي.
كما أن هاتين الجمهوريتين، وعلى مدار 7 سنوات من وجودهما المستقل، قد أنشأتا جيوشاً جيدة التدريب والتسليح، والتي مع تطور الأحداث على نحو موفق، أصبح بإمكانهما ألا تصل إلى كييف فحسب، بل أن تبلغ كذلك الحدود الأوكرانية البولندية.
لا أعرف بالضبط ما الذي سوف يقرره بوتين، لكني أعتقد أن سنوات عديدة من الجهود التي بذلتها واشنطن بالتنسيق مع النظام النازي في كييف، تمكنت من إقناع موسكو بأن أوكرانيا غير قادرة على أن تصبح دولة محايدة.
وهذا يعني استئناف العملية التاريخية التي استمرت لقرون، واضطرت خلالها روسيا دائماً إلى تحييد التهديدات الخارجية الواحدة تلو الأخرى، من خلال دفع الحدود إلى أبعد حد ممكن.
لكن ما أعرفه بكل تأكيد هو أن فرص أوكرانيا المعادية بشراسة لروسيا للوجود على المدى الطويل، هي نفس فرص كندا المعادية للولايات المتحدة الأمريكية، وحتى أقل.
كذلك فما أعرفه أيضاً بكل تأكيد، هو أن استعادة ثقل روسيا على مستوى الاتحاد السوفيتي هو أمر مفيد للعرب، وحتى للأعداء السابقين منهم للاتحاد السوفيتي، لأنهم على أي حال سيستفيدون من العالم متعدد الأقطاب.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
التعليقات