البرلمان الأوروبي وافق على قرار يدعو لـ "تجميد" المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لكن الغريب أن أنقرة انزعجت للغاية من هذا القرار على الرغم من أنها تواجه عقبات متوالية منذ 53 عاما. أي منذ أن بدأت تفكر في "ركوب القطار الأوروبي".
المفوضة الأوروبية للسياسة الخارجية والأمن فيديريكا موغيريني أظهرت قلقها البالغ بسبب الأحداث الجارية في تركيا:
- استئناف استخدام حكم الإعدام.
- تقييد حرية التعبير ونشاط وسائل الإعلام.
- إلقاء القبض على أعضاء البرلمان التركي عن الحزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد.
هذه الأسباب تبدو مثيرة للتساؤلات، خاصة وأنها لم تكن موجودة قبل 4 أو 5 أعوام. وكان الاتحاد الأوروبي يطرح أسبابا غيرها تشكل عوائق لانضمام تركيا إلى قوامه. وربما يكون هذا التناقض الغريب هو الذي أثار غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ودفعه ليس فقط لانتقاد الديمقراطيات الأوروبية وازدواجية المعايير، بل وأيضا للتهديد بفتح الحدود أمام المهاجرين للتوجه إلى اوروبا. هذا بطبيعة الحال إضافة إلى إمكانية تأثير المواطن الأوروبيين من أصل تركي على التركيبة السياسية للمجتمعات التي يعيشون فيها، وخاصة في ألمانيا، وقدرتهم على التأثير على مسارات الحياة السياسية فيها.
الانتقادات التركية كثيرة، سواء من جانب المسؤولين على مستوى الوزراء، أو على مستوى رئيس الحكومة أو رئيس الدولة. فوزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر جيليك يرى أن قرار البرلمان الأوروبي أحادي وقصير النظر، بينما يؤكد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن علاقة بلاده بالاتحاد الأوروبي قوية وأن تصويت البرلمان الأوروبي "غير مهم ويفتقد إلى الرؤية"، بل وتوقع من قادة أوروبا الوقوف في وجه برلمانهم وقراره. ووضع الاتحاد أمام خيار: "هل سيسير مع تركيا أم بدونها".
لقد سبق للاتحاد الأوروبي وتركيا أن وقعا اتفاقية شراكة، ثم قدمت تركيا في عام 1987 طلب الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. إلا أن المباحثات في هذا الشأن بدأت فقط في عام 2005 وكثيرا ما كانت تواجهه تعقيدات وعقبات تعمل على تجميدها أو تعليقها. وفي الوقت الحاضر هناك 16 فصلا من إجمالي 35 فصلا من ملف المباحثات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي تعتبر مفتوحة. وفي مارس عام 2016 الحالي وافقت الدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي على تفعيل هذه المباحثات مقابل مساهمة تركيا في تقليص عدد المهاجرين المتوجهين إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي التركية.
الفكرة هنا لا تدور حول قبول الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا من عدمه، وإنما تدور تحديدا، حول "تفعيل المباحثات مقابل هذا الأمر أو ذاك"، أو "تعليق المباحثات لهذا السبب أو ذاك"، أو "تجميد المناقشات بسبب هذه القضية أو تلك"..
هنا نأتي إلى الخطوة الأخطر في هذه القضية، وهي إعلان الرئيس أردوغان أن بلاده ترى في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بديلا حقيقيا عن حصولها على العضوية في الاتحاد الأوروبي، نظرا لعدم استقرار الاتحاد في الوقت الراهن، وتساؤلاته حول "لماذا لا تنضم تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون"، وتلويحه بأنه قد أبلغ الرئيسين الروسي بوتين والكازاخستاني نزاربايف بهذا الأمر.. ولكن أردوغان عاد ليمسك العصا بالقرب من المنتصف، مشيرا إلى أن "العمل ضمن إطار منظمة شنغهاي سيكون أكثر ملاءمة بالنسبة لبلاده، أمام مماطلة الاتحاد الأوروبي المستمرة على مدى 53 عاما في قبول أنقرة في صفوفه".
منظمة شنغهاي تأسست عام 2001 كمنتدى سياسي واقتصادي وأمني يضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان كأعضاء دائمين. ووقعت الهند وباكستان مذكرة في شهر يونيو 2016، لتبدأ بذلك عملية انضمامهما كمراقبتين إلى المجموعة إلى جانب منغوليا وإيران وأفغانستان، وإلى جانب بيلاروس وتركيا بصفتهما شريكين في الحوار. وتمتلك تلك المنظمة الواعدة ليس فقط إقليميا ميثاق عمل وقوانين ومبادئ داخلية تنظم عمليات الانضمام ومراحله، ونشاطات المنظمة إقليميا ودوليا.
من جهة أخرى، تظهر تساؤلات حول تركيا – العضو المهم والنشط في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضم في الوقت نفسه ما يقرب من 30 دولة أوروبية. هل ستصبح تركيا عضوا في حلف الناتو وفي منظمة شنغهاي للتعاون في وقت واحد؟ وهل تتعارض العضويتان مع بعضهما البعض من جهة، ومع سياسات وتوجهات الدول الأعضاء في الشكلين أو التكتلين؟ هل أنقرة قادرة فعلا على الاستغناء عن علاقاتها (أو في أحسن الأحوال تقليصها اقتصاديا ودفاعيا وأمنيا وسياسيا) مع الولايات المتحدة، أو مع الاتحاد الأوروبي أو مع دول الاتحاد كل على حدة؟
لقد حصلت تركيا في عام 2013 على وضع "شريك في الحوار" في منظمة شنغهاي للتعاون. هنا يعترف عضو المجلس الفيدرالي الروسي دميتري ميزينتسيف (سفير مفوض فوق العادة، وشغل منصب الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون حتى مطلع عام 2016)، بأنه في عام 2012، وتوافقا مع طلب من مجلس رؤساء الدول المؤسسة لمنظمة شنغهاي للتعاون، جرى توقيع مذكرة تفاهم بشأن منح تركيا وضع شريك في حوار في المنظمة.. وأن حديثا موسعا جرى بينه وبين وزير الخارجية التركي آنذاك، انتهى بتوقيع وثيقة مهمة حول نظرة تركيا إلى نفسها بعد منحها عضوية أولية كشريك في الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، والذي يمنح إمكانيات محددة، ولكنها متواضعة بالنسبة إلى مجموعة الواجبات.
هذه الخطوات في عام 2012 كانت تشي بدرجة أو بأخرى بأن القضايا المرتبطة بالأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي والتجارة، وكذلك التعاون في المجالات الإنسانية، كانت بالفعل تحظى آنذاك باهتمام تركيا. وفي وقت لاحق طلب الأتراك إتاحة الفرصة لمشاركة مسؤولين من بلادهم في العديد من اللقاءات الوزارية وعلى مستويات أعلى. ولكن فجأة، بدأت أنقرة تتعامل مع المنظمة "كتحصيل حاصل" أو بشكل يعطي انطباعا بأن لديها أولويات أخرى، أو ربما هناك من يقوم بالضغط عليها. ومع بدء التظاهرات والمشاكل في تركيا في صيف 2013، انشغلت أنقرة بترتيب الشأن الداخلي من جهة، وتنفيذ التزاماتها نحو القوى الدينية والتيارات اليمينية الدينية التي أظهرت طموحا للوصول إلى السلطة في عدد من الدول العربية من جهة أخرى. ولكن الانقلاب الفاشل ضد أردوغان في صيف 2016، وتورط أطراف غربية مختلفة فيه، وإحساس الرئيس أردوغان بالخطر ليس فقط على نفسه، بل وأيضا على حزبه الإسلامي المحافظ، وعلى خططه وسيناريوهاته الوطنية من جهة، ومستقبل حزبه من جهة أخرى.. كل ذلك دفع أردوغان للعودة إلى منطقة التماس مع منظمة شنغهاي للتعاون، سواء كمنظمة أو كعلاقات ثنائية مع دولها، وخاصة بعد ضياع أحلامه عمليا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الأقل طوال السنوات العشر المقبلة.
الخطوات اللاحقة والتي يجب على تركيا تنفيذها تتوقف على أنقرة نفسها، وليس على أي طرف آخر. وفي نهاية المطاف، هناك قواعد محددة، بمعنى أن البلد الشريك في الحوار عليه أن يطلب أولا وضع مراقب. وبعد أن يحصل على وضع مراقب، يمكنه أن يتطلع إلى وضع أعلى. وهو ما حصل بالضبط عبر مراحل انضمام الهند والباكستان إلى المنظمة. هذه المراحل تحتاج إلى وقت، وتجهيزات وإعدادات، وقبل كل شيء استعدادات وتحولات مهمة، وبالذات لدولة كبيرة ومهمة بالنسبة لحلف الناتو مثل تركيا.
أشرف الصباغ