جاء الرد الياباني سريعا، حيث أعلن وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا أن اليابان ستتخذ إجراءات مناسبة، ردا على نشر روسيا أنظمة صاروخية في جزيرتي إيتوروب وكوناشير التابعتين لجزر الكوريل. وكانت الصحيفة الرسمية لأسطول المحيط الهادئ الروسي قد تحدثت عن نشر أنظمة "بال" الصاروخية في جزيرة كوناشير وأنظمة "باستيون" في جزيرة إيتوروب. وأوضحت بأنه "قد تم في عام 2016 تشكيل كتيبة صواريخ جديدة من طراز باستيون ويجري الآن تشكيل كتيبة صواريخ أخرى مماثلة للكتيبة الأولي". هذا إضافة إلى التحضر لإعداد وتنفيذ إطلاقات تدريبية في مجال مياه بحر اليابان.
روسيا، ومن قبلها الاتحاد السوفيتي، ترى أن اليابان تدعي بسيادتها على جزر إيتوروب وكوناشير وشيكوتان وخابوماي التابعة لجزر الكوريل، وتشترط تسليمها تلك الجزر لتوقيع معاهدة السلام مع روسيا. وتشدد موسكو على أن جزر الكوريل أصبحت جزءا من الأراضي الروسية بنتيجة الحرب العالمية الثانية، وبالتالي لا يمكن التشكيك في تبعيتها أو إعادة النظر فيها. أما اليابان فتشترط تسليم 4 جزر من جزر الكوريل لها لعقد معاهدة السلام مع روسيا، والتي لم يتم المصادقة عليها إلى الآن، الأمر الذي يشكل أحد أهم القضايا الرئيسية المعقدة في العلاقات بين موسكو وطوكيو.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن، في ختام قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) الذي انعقد في بيرو، أن جزر الكوريل تعتبر أرضا سيادية لروسيا، لكن موسكو مستعدة للحوار مع اليابان، وهناك خيارات مختلفة. وأن ملكية هذه الجزر لروسيا حدثت بنتيجة الحرب العالمية الثانية و"نحن نعتبرها اليوم أرضا سيادية لروسيا، وهو الأمر المثبت في الوثائق الدولية.. لكننا مستعدون للحوار مع شركائنا اليابانيين، ونتحدث حول إمكانية وجود مختلف الخيارات".
بوتين أشار إلى أن روسيا واليابان ترغبان بصراحة في عقد معاهدة السلام، وتبحثان عن السبل لتحقيق ذلك، مؤكد أنه يجب دعم هذا السعي بشتى الأشكال. واعتبر أن عدم وجود معاهدة سلام بين روسيا واليابان أمر من مخلفات الماضي، التي تعيق المضي قدما إلى الأمام. وأكد أن موسكو "ستواصل اتصالاتها مع طوكيو على مستوى وزارتي الخارجية. وقد بدأ حوار فعلي بمبادرة من الطرف الياباني، واتفقنا على أنه في حال قمت بزيارة لليابان، فان هذه المجموعة من القضايا المتعلقة بمعاهدة السلام ستكون الرئيسية خلال زيارتي".
أوساط سياسية ودبلوماسية روسية وغير روسية تستبعد حدوث أي اختراق في قضية الخلاف بين روسيا واليابان على جزر الكوريل الأربع. ومع ذلك تحدثت عن آفاق واعدة للتعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية. وهو الأمر الذي أكده الكرملين منذ حوالي شهرين تقريبا. بأنه من الصعب توقع إحراز تقدم في قضية جزر الكوريل خلال المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي٬ مشيرا إلى أن هذه مشكلة أكثر تعقيدا٬ وتتطلب جهودا أكثر تفصيلا ًومزيدا من الجهد من جانب الخبراء.
وخلال لقاء بوتين وآبي٬ صرح الأول بأن الجانب الروسي يدرس بعناية المقترحات التي تقدمت بها طوكيو في العام الماضي٬ ولفت إلى أنه أجرى لقاء مع ممثلي قطاع الأعمال الياباني العاملين في روسيا٬ وعلى وجه الخصوص في الشرق الأقصى الروسي من أجل دعم الاتصالات المتبادلة من خلال المستوى السياسي. أما رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي فقد أعلن أن اليابان تحضر لزيارة الرئيس الروسي وقال إن "اليابان ستبذل أقصى الجهود لتطوير العلاقات مع روسيا لتطوير التعاون الياباني - الروسي في المنطقة. وتقدمت اليابان بمقترح يقضي بأن تقوم روسيا بالتنازل عن الحقوق في "جزر الكوريل" الجنوبية لليابان مقابل أن تسمح سلطات طوكيو للروس الموجودين في الجزر بمواصلة الإقامة فيها والإبقاء على ممتلكاتهم وضمان احترام حقوق الإنسان، بينما ترحب موسكو بفكرة تطوير مشاريع مشتركة في هذه الجزر٬ وبالدرجة الأولى مشاريع مشتركة مع اليابان".
في الحقيقة، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استبق لقاءه بآبي آنذاك، وقال إن "روسيا مستعدة لتطوير البنية التحتية للموانئ مع اليابان في حال الضرورة٬ من أجل توريدات الغاز المسال. والمعروف أن نسبة 70% من إجمالي حجم ما تنتجه روسيا من الغاز المسال في ساخالين في إطار مشروعي "ساخالين 1 " و"ساخالين 2"٬ يجري توريدها إلى السوق اليابانية.
وعلى الرغم من التصريحات المتفائلة من الجانبين، إلا أنه لا يمكن توقع أي اختراقات٬ بسبب عمق الخلافات حول موضوعات سياسية وحدودية واقتصادية أيضا. وسبق أن تحدثت الأوساط السياسية والدبلوماسية اليايانية بعد لقاء بين (بوتين وآبي) في سوتشي العام الماضي حول أن "آبي" عرض خلال اللقاء نهجا جديدا على موسكو لحل مشكلة جزر الكوريل التي تبقى عائقًا أمام تطور العلاقات بين البلدين.
الرئيس الروسي لخص أيضا موقف بلاده من قضايا ترسيم الحدود بشكل عام مع الدول المجاورة، ومع اليابان تحديدا، بعبارة "موسكو لا تتاجر بالأراضي". ولكنه لم يستبعد أيضا أن تبحث روسيا عن حلول وسط ترضي كل الأطراف، ولا تهدد مصالحها أو تنتقص من سيادتها على أراضيها. مثل ما حدث في عملية ترسيم الحدود مع الصين، والتي أرضت الطرفين وعززت الثقة بينهما، وطرحت مشاريع واعدة واستراتيجية طويلة الأمد بين موسكو وبكين.
يبدو أن اليابانيين مستعدون نسبيا لبذل الجهود من أجل لقاء الروس ولو حتى في منتصف الطريق. فرئيس وزراء اليابان شينزو آبي اعترف بأن قضية توقيع معاهدة سلام بين روسيا واليابان مهمة صعبة، ولا يمكن حلها مكن خلال قمة واحدة ومن دون بناء علاقات ثقة، خاصة وأن ذلك لم يحدث طوال أكثر من 70 عاما.
من الواضح أن الطرفين الروسي والياباني سيلتقيان على أرضية مشتركة، ينطلق فيها الروس من أن جزر الكوريل مملوكة لروسيا، وهي أراضي روسيا 100% بموجب القانون الدولي. وينطلق فيها اليابانيون من موقف طوكيو من جزر الكوريل الجنوبية لم يتغير. ومع ذلك، فهذا لا يمنع أن ينشط الحوار بين موسكو وطوكيو لإيجاد خطوط تماس ومساحات مشتركة يمكن أن تؤدي في المستقبل إلى خلق قنوات وطرق لتسوية أي خلافات انطلاقا من المصالح الوطنية والقومية لكل من البلدين. وقد تكون زيارة الرئيس الروسي إلى اليابان في منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل أول خطوة على هذا الطريق الطويل، لأن روسيا، ومن قبلها الاتحاد السوفيتي، لم تكن ترغب بظهور صواريخ باليستية أمريكية أو أطلسية على أراضي الجيران، ومن ضمنهم اليابان، أو أن تشارك طوكيو في مؤامرات الولايات المتحدة والناتو المتعلقة بانتهاك التوازن الاستراتيجي، وخرق سيادة الدول والاستهتار بمصالحها، والسعي للسيطرة على مناطق لا تخصهما لا من بعيد أو قريب.
أشرف الصباغ