فروسيا اليوم، على كل حال، ليست كما كانت عليه عام 1999، حين كاد حلف الناتو أن يقدح شرارة حرب عالمية مجانية ضد 200 من جنودها تمركزوا في مطار عاصمة كوسوفو برشتينا.
حدث ذلك في 12 يونيو/حزيران 1999، حين كانت قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو تستعد للدخول إلى إقليم كوسوفو في يوغسلافيا قبل تشظيها، وإذا بها تجد أن الروس قد سبقوها إلى هناك.
حينها لم يرسل الروس جيشا جرارا إلى المنطقة، لقد نقلوا 200 جندي من قوات حفظ السلام الروسية المتمركزة في البوسنة إلى كوسوفو، وتمكن هؤلاء من الوصول إلى مطار برشتينا قبل غيرهم.
في تلك الأثناء أمر الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك، القائد العام لقوات الناتو آنذاك فورا بتشكيل قوة من 500 عنصر من القوات الخاصة البريطانية والفرنسية والدفع بها إلى مطار برشتينا للسيطرة عليه قبل أن يُطل الروس.
الجنرال كلارك لاحقا في شريط وثائقي أفاد بأنه اتصل بالأمين العام حينها لحلف شمال الأطلسي خافيير سولانا، فبادر الأخير إلى الحديث عن مخاطر وصول الروس أولا إلى المطار، مشددا على ضرورة أن يسبق كلارك الروس ويسيطر على مطار المدينة. وحين سأله الجنرال الأمريكي: هل لدي صلاحيات لفعل ذلك؟ أجابه سولانا "طبعا!".
إلا أن القائد العسكري الأمريكي لقوات الناتو لم ينفذ المهمة، إذ وقف في طريقه الجنرال البريطاني مايكل جاكسون، قائد قوات حفظ السلام بالمنطقة ورفض تنفيذ أوامره قائلا له في مشادة كلامية: "لا أعتزم بدء حرب عالمية ثالثة من أجلك".
وعلّق الجنرال البريطاني مايكل جاكسون على هذه الواقعة بالقول :"لقد توقعنا إمكانية صراع مع الروس. برأيي، لم يكن وسيلة مثلى لبناء علاقات مع العسكريين الروس، الذين كان يجب أن يكونوا شركاءنا في عملية حفظ السلام".
حتى في تلك الظروف، في عهد بوريس يلتسن أول رئيس لروسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حين كانت موسكو لا تشكل أي خطر على حلف الناتو وتعاني وهنا في جميع المجالات، كاد الحلف أن يشعل حربا معها باستهداف 200 من جنودها يشاركون في عملية دولية لحفظ السلام، لمجرد أنهم تمكنوا من الانتقال السريع والوصول إلى برشتينا قبل قوات الناتو.
أما لماذا يمكن في الوقت الراهن استبعاد احتمال أن تسعى الولايات المتحدة أو حلف الناتو إلى صدام عسكري مع روسيا في سماء سوريا قياسا بتلك الواقعة المريبة عام 1999، فالجواب يكمن في أن الجيش الروسي بمختلف أسلحته الآن أكثر قوة وجاهزية بما لا يقاس وهو يتكئ على دولة مستقرة وإرادة سياسية صلبة، وهذا فقط ما يمكن أن يردع واشنطن وبروكسل عن الحرب.
محمد الطاهر