وبإلقاء نظرة على مواقف الأطراف حيال هذا القانون الاستثنائي، نجدها تتفاوت بين من يراها خطأ غير محسوب، ومجازفة خطيرة، ومن يرى فيها إنذارا شبيه بتغير مناخي، وليس سحابة صيف.
أصحاب هذه الفرضية يحملون في طرحهم نعشا للنفط، ويرون في الخطوة الأمريكية تحولا جذريا إلى عصر جديد فقدت السعودية فيه مكانتها ودورها ولذلك اندفع الكونغرس وبحماسة قالبا لها ظهر المجن، بخاصة أن تصويت مجلسي الشيوخ والنواب كان بأغلبية ساحقة، وشبه ساحقة ضد فيتو الرئيس الأمريكي.
ويقف في الطرف المقابل، أولئك الذين يفسرون ما حدث بأنه مجرد تجليات للديموقراطية الأمريكية، وأن هذا القانون لا يخرج عن إطاره الإجرائي الظرفي.
وعلى كل حال، ومهما كانت الأسباب، فالسعودية مجبرة على اتخاذ إجراءات مضادة وإلا ستكون رهينة لما يمكن وصفه بأكبر ابتزاز في التاريخ.
على الرغم من أن الخبراء الأمريكيين يقرون بوجود إمكانية لدى الرياض للرد على قانون "جاستا" بعدة وسائل متاحة، إلا أنهم في أغلبهم يقللون من قدرتها على التأثير، ويرون أن الإجراءات المضادة التي يمكن أن تلجأ إليها ستتضرر منها أكثر من واشنطن.
وبغض النظر عن وجود إمكانيات مؤثرة للرد بمتناول السعودية من عدمها، إلا أن السؤال الأهم هو هل توجد إرادة حقيقية لاستخدام "الأسلحة المضادة المتاحة" في الظروف الراهنة الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية؟
بطبيعة الحال، الزمن كفيل بالإجابة على هذا السؤال وعلى غيره، وهو سيجيب بالدرجة الأولى على السؤال الرئيس المتمثل في مستقبل السعودية والمنطقة بأسرها.
ويمكن رؤية الموقف بصورة أوضح من خلال استعراض الخيارات المتاحة أمام السعودية في حال حدث تصعيد قد يدفعها إلى إشهار أسلحتها ضد حليفتها التاريخية.
أولا: الضغط المالي، بسحب الأرصدة المالية في البنوك الأمريكية وتقدر بنحو 750 مليار دولار.
ثانيا: الضغط الأمني بوقف التعاون الاسستخباراتي.
ثالثا: الضغط العسكري بإغلاق المجال الجوي السعودي أمام النشاط العسكري الجوي الأمريكي، ووقف شراء الأسلحة الأمريكية.
رابعا: الضغط السياسي عبر تقليص التمثيل الدبلوماسي.
خامسا: سلاح النفط.
على أية حال، ليس من السهل فك الارتباط في علاقة كتلك التي تجمع السعودية بالولايات المتحدة وخاصة أنها متشعبة وتمتد لعقود، كما لا يمكن استبدال مثل هذه العلاقة إلا بعد زلزال، كما تؤكد وقائع التاريخ.
ولذلك من المسستبعد أن تلجأ الرياض حاليا إلى اتخاذ خطوات راديكالية ضد واشنطن، ومن المرجح أنها ستحاول استغلال نفوذها الإقليمي لمواجهة قانون "جاستا" بالمثل، من خلال إقرار قانون يتيح لأهالي الضحايا الأمريكيين في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن مقاضاة الولايات المتحدة للحصول على تعويضات منها.
وحتى هذا الخيار، لا ينفع السعودية بشكل مباشر، وهو لا يصلح إلا للضغط، ربما كمحاولة لإجبار الطرف الأمريكي على إلغاء قانونه أو تخفيفه على الأقل.
هذا الهامش الضيق للمناورة في الظروف الراهنة مؤشر هام بأن قانون "جاستا" لم يخرج إلى النور اعتباطا، بل عن سابق تصميم وترصد ومعرفة دقيقة بصعوبة استخدام الخصم للخيارات "الممكنة" باعتبارها خيارات ملغومة، وذات حدين.
محمد الطاهر