فقد أكد زعيم النازيين لجنوده عشية إصدار أوامره بالغزو، أنه لم يتبق أمامهم إلا حربا أخيرة وخاطفة لبضعة أشهر، فهم أركعوا الجميع، و"استحقوا" شرف كسر آخر وأعظم دولة والاحتفال بعيد الميلاد في ساحتها الحمراء.
وبين الوعود التي قطعها زعيم النازيين لجنوده، أن يكون لكل ألماني بعد إخضاع موسكو ثلة من العبيد الروس في خدمته، ومساحات لا متناهية من الأراضي الزراعية الخصبة، فالألمان هم الأنقى عرقا والأقوى على وجه البسيطة.
الجيش الأحمر سخّر 3,4 مليون أسير من النازيين ومن تحالفوا معهم في محورهم حسب البيانات الألمانية في ترميم المباني التي دمروها في الاتحاد السوفيتي، وحفر أنفاق مترو جديدة في موسكو وكييف، وتشييد المباني والجسور بالوسائل اليدوية بزيّهم الهتلري، عبيدا كما أرادوا للآخرين، ليذوقوا طعم العبودية وهم بيض آريون، ويقلعوا عن أي طموحات لإذلال الآخرين.
فحرب هتلر لبلوغ موسكو في أشهر معدودة طالت أربعا دامية، وأدركت جحافل النازية والفاشية التي انهارت أمامها الجيوش قاطبة، واستسلمت لها فرنسا في 38 يوما، واستعرضها هتلر شخصيا في باريس، أن اجتياح روسيا لن يكون نزهة، وصارت تفكر بمدى قدرتها على اقتحام موسكو، والاحتفال بعيد الميلاد المقبل في ساحتها الحمراء.
مارشالات وجنرالات هتلر دخلوا موسكو، واستعرضوا في شوارعها الرئيسية كما تمنوا، لكن وهم أسرى ببزاتهم ورتبهم العسكرية يتقدمون عشرات آلاف الأسرى من جنودهم الذين أحضرهم الجيش الأحمر من معسكرات الاعتقال على متن قطارات كانت تستخدم لشحن المواشي.
أهل موسكو، خرجوا إلى شوارع عاصمتهم واحتشدوا بالآلاف لرؤية الغزاة مأسورين مهانين، يحرسهم فرسان الخيالة السوفيت حفاظا على سلامتهم من غضب الحشود.
أما هتلر صاحب فكرة غزو موسكو فلم يكتب له "مشي الخيلاء" في طليعة جيشه وإحياء عيد الميلاد في موسكو، حيث أقيم الاحتفال على أراضي بلاده وتجسد باقتحام الجيش الأحمر برلين وتنظيمه استعراض النصر فيها.
النصر بأي ثمن، ولا خطوة إلى الوراء، تعويذتان رددهما الجيش الأحمر لصد المعتدين وانتزاع النصر مهما كان، فالغزاة أعدوا ما استطاعوا، ولم يبق للاتحاد السوفيتي سوى الحشد والتعبئة لمعمعة خاضها الشباب والنسوة والمسنون وتسابق فيها الجميع على التطوع وخدمة الوطن بأي إسهام كان.
ما من بيت في الاتحاد السوفيتي، لم يثكل قريبا أو حبيبا في هذه الحرب الضروس التي شنتها "خير أمة أخرجت للناس" حسب هتلر وأتباعه، حيث أبى الروس ومعهم حلفاؤهم في الاتحاد السوفيتي الذل والعبودية وآثروا الموت واقفين كأشجار القيقب التي يتغنون بصمودها مذ حروبهم الأولى.
صفوان أبو حلا