وقالت مصادر عسكرية في هذا الصدد إن الدول الغربية تحضر في الوقت الراهن لعمليات عسكرية ضد التنظيم.
هذا الأمر يوضح النشاطات المتزايدة لأجهزة الاستخبارات الغربية التي تعمل منذ فترة طويلة على جمع المعلومات عن نشاط "داعش" في ليبيا بهدف التحضير لشن الهجمات.
المنسقة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت دعم الاتحاد لاتفاق السلام الذي ترعاه الأمم المتحدة والذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا. وقالت، في تونس يوم 8 يناير الحالي، إن "أوروبا جاءت إلى هنا لتُظهر أنها موحدة في دعم الجهود الرامية إلى تطبيق الاتفاق الذي وقع يوم 17 ديسمبر 2015 في مدينة الصخيرات المغربية".
وشددت على أنه "مع الاتفاق السياسي وحكومة الوحدة الوطنية التي سنشكلها قريبا، ستكون هناك أخيرا إمكانية لدعم الوحدة بين الليبيين ومحاولة لمكافحة الإرهاب مع القوات الليبية". وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي "أعد خطة لدعم ليبيا بقيمة مئة مليون يورو جاهزة فورا.. ولكن حال تولي حكومة الوحدة الوطنية الليبية مهامها".
المراقبون يتحدثون عن النبرة التي أعلنت بها موغيريني تصريحاتها المذكورة أعلاه. إذ رأى البعض أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف الناتو يمكنهم التدخل بصرف النظر عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من عدمه. وتساءل البعض، لماذا بدأ الاتحاد الأوروبي يغدق المساعدات المالية على ليبيا، والتي تظل في إطار الوعود إلى حين تشكيل تلك الحكومة. وذهب البعض إلى أن المساعدات المالية الموعودة لحكومة الوحدة الوطنية ما هي إلا الثمن المباشر لشرعنة التدخل العسكري الغربي المباشر أو غير المباشر في ليبيا. ويأمل الغرب هذه المرة أن لا يتكرر السيناريو السوري بتدخل أطراف أخرى، مثل روسيا. ولذلك تحديدا تسعى الدول الغربية إلى محاصرة ليبيا تماما وعدم السماح لأطراف أخرى، من بينها أطراف عربية، بالتدخل في هذا الملف.
وكان الدبلوماسي الإيطالي باولو جينتيلوني هو الأكثر صراحة ومباشرة في تصريحاته بأن تحالفا دوليا ضد تنظيم "داعش" في ليبيا ضروري في حال فشلت الأطراف الليبية في التوصل إلى الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة.
وقال جينتيلوني، في تصريح لصحيفة "لو فيجارو الفرنسية الجمعة 15 يناير الحالي، إنه في حال عدم توصل الأطراف الليبية إلى تطبيق الاتفاق، فإن تحالفا دوليا سيرى النور لمكافحة تنظيم "داعش" مثل التحالف الذي ظهر في العراق وسوريا. وأضاف أن هذه الخطوة تعني مباشرة أن الليبيين فشلوا في الوصول إلى اتفاق فيما بينهم وحكموا على كل المساعي بالفشل، وأن التدخل لمحاربة الإرهاب في ليبيا يجب أن يكون بطلب من حكومة ليبية لتقديم الدعم لها.
وإذا كانت فرنسا هي الدولة الأكثر اهتماما بما يجري في ليبيا، حيث أجرى سرب المقاتلات الفرنسية المتمركز على سطح الحاملة "شارل ديغول" يومي 20 و21 نوفمبر 2015 تحليقين استطلاعيين على الأقل فوق الأراضي الليبية، فإن بريطانيا لا تقل اهتماما، حيث زار السفير البريطاني في القاهرة جون كاسن وزارة الخارجية المصرية والتقى السفير أسامة المجدوب، مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الجوار، لمناقشة مستجدات الأوضاع فى ليبيا. وذكرت مصادر دبلوماسية أن السفير البريطاني أطلع مصر على قلق بريطانيا من تمدد تنظيم داعش فى ليبيا، مشيرة إلى أن لندن طلبت من مصر تكثيف التنسيق فيما يتعلق بالخطوات اللازمة لوقف هذا التمدد الداعشى.
والمعروف أن مصادر عسكرية واستخباراتية بريطانية ألمحت أكثر من مرة إلى أن بريطانيا تعتزم توجيه ضربات لمواقع تنظيم داعش فى ليبيا. غير أن مصر ترى أن أولى خطوات وقف تمدد داعش في ليبيا تتمثل في دعم ما توافقت عليه القوى الليبية فى مدينة الصخيرات المغربية، ووقف حظر التسليح المفروض على قوات الجيش الوطنى الليبي.
كما تعتبر القاهرة أن أى تدخل عسكرى أجنبى فى ليبيا، سيزيد من تدهور الأزمة الليبية. ومع ذلك تدير القوى الغربية حوارات جانبية مع دول الجوار، وتواصل في الوقت نفسه التحضير لضرب ليبيا بشكل يحكم الطوق الغربي فقط حول هذه الدولة. بينما تصر نفس الدول الغربية على شروطها بشأن إشراك القوى الدينية والتنظيمات الأخرى في إدارة ليبيا، ومحاولة إبعاد شخصيات عسكرية بعينها من المشهد السياسي الليبي.
على هذه الخلفية التفصيلية، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أصدر توجيهات لمستشاريه في مجال الأمن القومي يوم الخميس 28 يناير الحالي للتصدي لمحاولات تنظيم الدولة الإسلامية للتوسع في ليبيا والدول الأخرى التي يسعى داعش لتأسيس وجود له فيها.
أما وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر فقد قال يوم 28 يناير أيضا إن "تنظيم الدولة الإسلامية يقيم مواقع تدريب في ليبيا ويستقبل مقاتلين أجانب في أسلوب يماثل ما فعله في العراق وسوريا الأعوام المنصرمة.. نحن لا نريد أن نكون على طريق يقودنا لوضع مثل سوريا والعراق. وهذا ما يجعلنا نراقب الأمر عن كثب، ونطور خيارات لما قد نفعله في المستقبل". ولكن يبدو أن هذا المستقبل قد حل. إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك يوم 27 يناير الحالي إن الولايات المتحدة أرسلت بالفعل "عددا صغيرا من العسكريين" إلى ليبيا لمحاولة " إجراء محادثات مع قوات محلية للحصول على صورة أوضح لما يحدث هناك على وجه التحديد.!!
في هذا السياق تحديدا يظهر الدور الإيطالي الذي يكاد يعادل الدور الفرنسي بكل ما يحيط به من طموحات. فوزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي قالت في 28 يناير الجاري إن الدول الغربية مستعدة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا حتى إذا أخفق الليبيون في تشكيل حكومة موحدة قريبا. هذا الإنذار أو التحذير يقال على خلفية رفض البرلمان الليبي المعترف به دوليا اقتراح الأمم المتحدة تشكيل حكومة موحدة في ليبيا في وقت سابق. وفي نفس الوقت صعد تنظيم داعش هجماته في مدن ليبية كثيرة.
وفي ضوء نشاطات داعش التي تثير توقيتاتها تساؤلات كثيرة، رأت الوزيرة الإيطالية أن هذا النشاط في ظل هذا الفراغ السياسي، هو الذي يدفع إيطاليا وحلفاءها للاستعداد "لوضع طاريء". ولم تنكر بينوتي أن الولايات المتحدة أعربت في الآونة الأخيرة عن "قلق أكبر" إزاء تنظيم داعش في ليبيا. بل ذهبت إلى أنه "في الشهر الماضي عملنا بدأب أكبر مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين.. لا يوجد تسرع أو عجلة، وهناك عمل غير أحادي. كلنا متفقون على أننا لا بد أن نتجنب عملا غير منسق".
أشرف الصباغ
(المقال يعبر عن رأي الكاتب)