وذكرت صحيفة "RBK" الروسية نقلا عن مصدرها أن وزير الدفاع سيرغي شويغو حينما أشار إلى الفرات كان يعني الرقة، وأبلغ المجتمعين بأنه لم يتحدد حتى الآن أي موعد لإنهاء العملية الجوية في سوريا، كما جدد التأكيد على عدم وجود أي نية لإرسال قوات برية إلى هناك.
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس لجنة الدوما لشؤون الدفاع فلاديمير كومويدوف، في تعليق للصحيفة أن شويغو عندما سئل حول "الرايخستاغ" المفترض بلوغه لإنهاء العملية العسكرية الروسية في سوريا قال، إن "الرايخستاغ" المنشود يقع على الفرات، أي في الرقة.
وعليه، فمن السؤال الذي طرح على شويغو وجوابه، يتضح أن الرقة صارت بالنسبة إلى روسيا برلين الثانية بعد أكثر من 70 عاما على آخر انتصار تاريخي تحرزه موسكو، رسمت فيه الخطوط العريضة لنظام دولي جديد استمر حتى زوال الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي وطعنها بجميع المواثيق والأعراف الدولية.
فبسقوط الرقة، واستنادا إلى التطورات الأخيرة التي يشهدها العالم والصراع الجيوسياسي بين الغرب وموسكو الذي احتدم مع انضمام القرم إلى روسيا، وتفاقم بعد إطلاق موسكو عمليتها الجوية في سوريا، سيرتسم وجه عالم جديد تنشده موسكو مدعومة في موقفها وطرحها هذا من عواصم فاعلة لا تقل شأنا كبكين مثلا.
وكما يتضح من خطوات الإدارة الأمريكية والتحول الكبير في موقف واشنطن إزاء سبل التسوية السورية، واللقاءات الأخيرة بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، والتخبط التركي بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية، صارت العواصم المتنفذة في العالم تزاحم موسكو وتسابقها لدخول الرقة.
هذا السباق، ليس إلا استنساخا تاريخيا لما حدث أواخر الحرب العالمية الثانية، إذ استماتت عواصم الحلفاء في إنزال نورماندي وسابقت الزمن للحاق بالجيش الأحمر ودخول العاصمة الألمانية لإنهاء النازية بالكامل، رغم مناشدات ستالين المتكررة لواشنطن وباقي الحلفاء الإسراع في هذا الإنزال للتخفيف عن الجيش الأحمر والتعجيل في إنهاء شر النازية.
وعليه، فأهمية الرقة بالنسبة إلى الجميع تبينت وبشكل لا لبس فيه، بعد إعلان السعودية عن حشد حلف إسلامي يضم 34 بلدا للانقضاض على "داعش" في عقر داره والدفاع عن الأمة الإسلامية التي صار يتهددها خطر الإرهاب.
فالرياض قررت على ما يبدو الانخراط في زحام العواصم المتنفذة لدخول الرقة، فيما تبرز الكثير من التساؤلات حول هوية هذا الحلف ودوره، وما إذا كان سينال حصة من نصر مؤزر قطعت روسيا أمياله الأولى شمال سوريا بعد أن نصبت صواريخها هناك، وبعد أن تحدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأتراك علنا، أن يجربوا اختراق الأجواء السورية التي صالوا وجالوا فيها سابقا.
والسؤال بصدد حلف الرياض، أين هو على الأرض، فيما العديد من الدول المدرجة فيه سارعت إلى الإعراب عن دهشتها، حيث تبين أنها كانت آخر من يعلم بعضويتها. هذا الأمر أدهش الكثير من الأوساط وأثار مختلف التساؤلات، لا سيما وأن بين الدول التي تحالفت بمشيئة الرياض، بنغلاديش وبنين وتشاد وتوغو وجيبوتي والسنغال والسودان وسيراليون والصومال والغابون وغينيا وفلسطين ولبنان وليبيا ومالي وموريتانيا والنيجر واليمن.
وأين هذا الحلف من العملية الجوية الروسية والتوافقات الأخيرة بين موسكو وواشنطن بشأن التسوية في سوريا، وتنازل الإدارة الأمريكية عن مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وكيف يمكن إطلاق أي عمل عسكري في المنطقة بمعزل عن موسكو وواشنطن؟
وما هو عدد الأحلاف التي ينبغي حشدها كي يتمكن العالم المتحضر من قطع دابر "داعش" وسواه من زمر إرهابية صار نشاطها مادة رئيسية على شاشات التلفاز ويتصدر العناوين العريضة في صحف العالم ومواقع التواصل الاجتماعي.
فمما تقدم، وعلى خلفية زحام التحالفات الدولية لمحاربة "داعش" يدرك المتابعون أن الغلبة ستكون وبشهادة التاريخ للأسرع والأقوى بين جيوش الدول المتنافسة على اقتحام قلعة الإسلاميين، وإنهاء "خلافة" الدم والذبح والفدية والتعزير.
أهمية "برلين" الفرات بالنسبة إلى روسيا لا تقتصر على تدمير معاقل "داعش" وسواه من الزمر الإرهابية التي أفرزتها الفوضى "الخلاقة" الأمريكية فحسب، بل تكمن أيضا في ضرورة تحقيق هدف تبنته موسكو لإحياء الشرعية الدولية ورفع يد واشنطن عن مجلس الأمن الدولي وقراره.
فموسكو طالما أكدت على ضرورة قيام عالم "متعدد الأقطاب" لا عالم قطب واحد أو قطبين، الأمر الذي يرجح اقتحام الجيش السوري "برلين" الفرات محميا من روسيا، ليرفع هو علم النصر فوق أراضيه، وينصب أعمدة الحدود السورية شمالا حسبما خلصت إليه جلسة وزير الدفاع الروسي المغلقة، وما أكده رئيس لجنة الدوما لشؤون الدفاع، فحذاء الجندي السوري، وحسب رئيس لجنة الدوما أيضا، هو الذي سيرتسم أثره على أرض الرقة تمهيدا لقيام نظام دولي جديد أكدت موسكو منذ اندلاع الأزمة السورية أن معالمه ستتحدد شرق المتوسط
صفوان أبو حلا