كان متوقعا أن لا يتمكن الاتحاد الأوروبي من معارضة الولايات المتحدة أو مخالفة أوامرها ومدد العقوبات على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية ومزاعم الغرب بأن روسيا طرف فيها، وستبلغ خسائر أوروبا الناجمة عن العقوبات الروسية الموازية للعقوبات الغربية 100 مليار يورو، وفقا لما ذكره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة الـ19 من يونيو/ حزيران الحالي خلال المنتدى الاقتصادي في مدينة سان بطرسبورغ.
ووجدت واشنطن وعواصم غربية محددة، في أحداث أوكرانيا، ذريعة لمحاولة عزل روسيا اقتصاديا وسياسيا، بل ولخنقها ماليا حتى لو كانت خسائر الطرف الآخر بمليارات الدولارات، لكن موسكو سرعان ما وجدت البدائل مع الصين ودول بريكس، وبعض دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وآخرها مع اليونان التي تعكس أوضاعها المتعثرة جانبا كبيرا من فشل الاتحاد الأوروبي في إدارة سياساته الاقتصادية، وبأنه أصبح يمثل عبئا على بعض الدول الأعضاء فيه، بينما يضخ هذا الاتحاد المليارات في اقتصادات معطلة أصلا مثل اقتصادات دول البلطيق لأهداف جيوسياسية.
الخبراء الاقتصاديون، بالمعهد النمساوي للدراسات الاقتصادية، يقولون إن العقوبات الأوروبية على روسيا ستقلص إيرادات الاتحاد الأوروبي نحو 100 مليار يورو، بالإضافة إلى فقدانه ما يزيد عن مليوني فرصة عمل، وهو ما قد يعمل على اهتزاز النظام الاجتماعي من جهة، وزيادة معدلات الجريمة من جهة أخرى.
الدراسة التي أصدرها المعهد المذكور تشير إلى أن عواقب الأزمة الاقتصادية في روسيا ستكون مضرة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي وسويسرا بقدر أكبر بكثير مما كان متوقعا، بسبب التراجع الحاد في الصادرات الأوروبية إلى روسيا، وحسب تقييمات المعهد، سيؤدي تمديد العقوبات على روسيا إلى فقدان ألمانيا قرابة 1% من نموها الاقتصادي المستهدف، فيما ستبلغ الخسائر المالية بالنسبة للبلاد 27 مليار يورو، أما إيطاليا فستفقد أكثر من 200 ألف فرصة عمل و0.9% من نموها الاقتصادي المرجو، بالمقارنة مع خسائر فرنسا التي قد تبلغ 150 ألف فرصة عمل و0.5% من النمو الاقتصادي، وستكون إستونيا التي تربطها علاقات اقتصادية متينة مع روسيا في طليعة الخاسرين، إذ ستفقد 16% من نموها الاقتصادي.
الخطير هنا هو أن الاتحاد الأوروبي لا ينشر أي بيانات حول خسائر الدول الأوروبية بسبب العقوبات على روسيا، هذا التعتيم يجري خشية أن تستخدم موسكو هذه المعلومات لصالحها مع دول أوروبية.
إن تمديد العقوبات الأوروبية على روسيا يأتي عشية لقاء وزراء دفاع الدول الأعضاء في حلف الناتو في بروكسل يومي الـ24 والـ25 من يونيو/ حزيران الحالي لمناقشة عدد من الموضوعات، بينها كيفية مواجهة روسيا واللآيات التي يجب أن تنفذها بعض الدول الأوروبية، ونشر أسلحة ثقيلة في بعضها الآخر، وذلك استعدادا لمواجهة طويلة الأمد، وفقا لتصريحات وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، بذلك تصبح أوروبا نفسها رهينة لأهواء واشنطن، ما يعرض ليس فقط أمنها للمخاطر، بل وأيضا اقتصادها.
في كل الأحوال، فقد أعربت وزارة الخارجية الروسية عن خيبة أملها الكبرى لتمديد العقوبات الأوروبية ولتغلب رأي اللوبي المعادي لروسيا من جديد في الاتحاد الأوروبي، وأكدت في الوقت نفسه عبثيةَ الموقف الأوروبي الذي يحمِّل الجانب الروسي كاملَ المسؤولية عن تطبيق اتفاقات مينسك، التي لا يختلف دور روسيا فيها عن دور أي من فرنسا أو ألمانيا.
من جهة أخرى، أعلن أندريه بيلؤوسوف مساعد الرئيس الروسي أن هناك توازنا في "الوضع القائم" بين روسيا والغرب فيما يتعلق بموضوع العقوبات المتبادلة وسيبقى الأمر كما هو عليه في المستقبل القريب، ولن يتم توسيع العقوبات الروسية الموازية، أو تقليصها.
وأشار بيلؤوسوف إلى أن البنوك والشركات الروسية عانت أكثر من غيرها من العقوبات الغربية لأنها فقدت الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، الأمر الذي أسهم كذلك في هبوط سعر العملة الروسية، ولكنه شدد في الوقت نفسه على أن المنظومة المالية الروسية "تكيفت مع الواقع الجديد"، وحسب قوله، فإن التدفق الصافي لرأس المال انخفض بشكل ملحوظ في الربع الأول من عام 2015، إلا أن الشركات الروسية تحتاج إلى سداد ديونها الخارجية، ولا تستطيع الحصول على قروض جديدة، ووفقا لبعض المعطيات، فإن تدفق رأس المال سيصل إلى 100 مليار دولار في عام 2015، لكن إذا تم تسديد الديون للبنوك الأجنبية، فسيبلغ التدفق الواقعي حوالي 50 مليار دولار، كما أن العقوبات ساهمت في تخفيف أعباء الديون، فلولا العقوبات، لارتفع حجم الديون عن مستواه الحالي بنسبة أكبر بكثير على خلفية انخفاض أسعار النفط.
أشرف الصباغ