وتعود الوثائق لوكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية. ومن اللافت أن هذه الوكالة ردت على أسئلة وجهت إليها بشأن مضمون الوثائق، بتكرار عبارة "لا تعليق" حتى لدى الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان الأمريكيون يدعمون تنظيم "القاعدة في العراق" ("تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين") بصورة مباشرة، علما بأن هذا التنظيم غير اسمه لاحقا إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ومن ثم إلى "الدولة الإسلامية".
وجاء في مقال كتبه الباحث براندن بوربفيل لموقع " Globalresearch " الإلكتروني، أن الصحفي بارند هوف اتصل بالوكالة يوم 22 مايو/أيار للحصول على تعليق بشأن مقاله السابق المتعلق بإحدى الوثائق المنشورة، لكنه لم يتلق أي رد قبل 27 مايو/أيار. وفي اتصال هاتفي معه لم يقدم المتحدث باسم الوكالة تعليقا على أي من الأسئلة، لكنه شدد على كون الوثيقة "لا تتضمن إلا معلومات أولية، لم يتم تحليلها أو تفسيرها".
لكن في حقيقة الأمر تتضمن الوثيقة التي يجري الحديث عنها، وهي تعود إلى أغسطس/آب عام 2012، ليس معلومات فحسب، بل وتحليلات وتنبؤات، تثير مدى دقتها الدهشة، إذا قمنا بالمقارنة بين تلك التنبؤات والأحداث التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وكانت منظمة "Judicial Watch" قد نشرت في 18 من الشهر الماضي مجموعة من الوثائق التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية رُفعت صفة السرية عنها نتيجة دعوى قضائية رفعتها المنظمة ضد الحكومة الأمريكية. وكانت الدعوى ومعظم الوثائق تتعلق بأحداث بنغازي عام 2012، لكن إحدى الوثائق تتضمن معلومات مقلقة للغاية متعلقة بالوضع في سوريا والعراق.
ويتعارض مضمون هذه الوثيقة جذريا مع ما كررته واشنطن مرارا عن الطابع الفطري والمعتدل للانتفاضة ضد نظام بشار الأسد، وهي تؤكد مباشرة أن "السلفيين والإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة في العراق تعد القوى الرئيسية التي تدفع التمرد في سوريا.
وتتابع الوثيقة التي شطبت بعض البنود منها قبل تسليمها للناشطين الحقوقيين، أن "الغرب ودول الخليج وتركيا تؤيد المعارضة، في الوقت الذي تدعم فيه روسيا والصين وإيران النظام". كما أنها تؤكد أن "تنظيم القاعدة في العراق كان يدعم المعارضة السورية منذ البداية أيديولوجيا وعبر وسائل الإعلام".
وجاء في الوثيقة أيضا أن لـ"تنظيم القاعدة في العراق" جيوبا ومعاقل على كلا طرفي الحدود السورية-العراقية لحشد تدفق المعدات العسكرية والمجندين الجدد. وتحدثت الوثيقة عن إضعاف مواقع التنظيم في المحافظات الغربية للعراق في عامي 2009 و2010، لكنها أقرت بأن تصعيد الانتفاضة في سوريا أدى إلى تنامي الطائفية في العراق.
لكن الجزء الأكثر أهمية في الوثيقة هي التنبؤات، إذ استنتج محللو الوكالة أن:
- نظام الأسد سيبقى وسحتفظ بالسيطرة على مساحات من الأراضي السورية.
- الوضع سيتحول إلى حرب بالوكالة.
- الدول الغربية ودول الخليج وتركيا ستدعم جهود المعارضة السورية للسيطرة على أراضي محافظتي الحسكة ودير الزور المجاورتين للأراضي العراقية، فيما ستعمل الدول المذكورة على إقامة مناطق عازلة تتم حمايتها بجهود دولية، على غرار المنطقة التي تم إقامتها حول بنغازي في ليبيا عام 2011
- القوات السورية ستنسحب من الحدود مع العراق، ليواجه حرس الحدود العراقي مخاطر ضخمة.
- هناك احتمال قيام كيان سلفي في شرق سوريا (الحسكة أو دير الزور)، إذ تؤكد الوثيقة أن ذلك "هو بالذات ما تريده الدول الداعمة (للمعارضة) من أجل عزل النظام السوري.
أما باقي الاستنتاجات فتتعلق بالعراق، لكن جميعها تقريبا شُطبت من الوثيقة قبل رفع صفة السرية عنها. لكن يمكننا أن نقرأ أن:
- تدهور الوضع (في سوريا) سيأتي بعواقب وخيمة على الوضع في العراق
- هذه التطورات ستوفر بيئة ملائمة لعودة تنظيم القاعدة في العراق إلى مواقعه القديمة في الموصل والرمادي
- هناك احتمال إعلان التنظيم عن قيام دولة إسلامية مع إقامته تحالفات مع منظمات إرهابية أخرى في العراق وسوريا، ما سيأتي بمخاطر كبيرة على وحدة العراق.
- استئناف تدفق العناصر الإرهابية من العالم العربي برمته إلى الساحة العراقية.
يذكر أن تاريخ تنظيم "الدولة" يعود إلى عام 1999، عندما أسس الأردني أبو مصعب الزرقاوي تنظيما أطلق عليه "جماعة التوحيد والجهاد". في عام 2004 أعلن الزرقاوي مبايعة "القاعدة" وعن تغيير اسم جماعته إلى "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، وتبنت الجماعة مسؤولية معظم الهجمات الإرهابية التي ارتكبت في العراق خلال الأشهر اللاحقة، كما كان لها دور دموي مركزي في أحداث الأنبار عام 2013. وبعد اندلاع الحرب السورية، انخرط التنظيم في العمليات القتالية بنشاط، وبقسوة فائقة.
في أبريل/نيسان عام 2013 أعلن التنظيم عن تغيير اسمه إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وذلك بعد فرض سيطرته على محافظة الرقة السورية بالكامل.
بدأ هجوم "داعش" على الموصل في 6 يونيو/حزيران عام 2014. وفي 10 يونيو/حزيران سقطت المدينة بالكامل بيد التنظيم بعد فرار عناصر الجيش العراقي منها. وفوجئ العالم وعلت الدعوات إلى إطلاق حملة دولية لمحاربة التنظيم، لكن الولايات المتحدة صاحبة أكبر وأقوى جيش في العالم رفضت إرسال قواتها البرية إلى العراق مجددا واعتبرت أن محاربة التنظيم قد تستمر لسنوات!
المصدر: RT + وكالات