أمريكا وأوروبا تعيدان أخطاء الحرب العالمية بدعم النازية الجديدة
التاريخ يعيد نفسه، والغرب الذي غض الطرف عن صعود الحزب النازي في المانيا، يغض الطرف من جديد عن ظواهر عديدة حديثة لصعود جديد لنازية في بقاع مختلفة من العالم.
قبل أيام قليلة من الاحتفال بالذكرى الـ 70 للانتصار على النازية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن المحاولات الوقحة لإعادة كتابة التاريخ من أجل تحقيق مصالح سياسية آنية غير مقبولة على الإطلاق، بما في ذلك محاولات رد الاعتبار للنازيين وعملائهم.
ووصف بوتين هذه المحاولات بأنها غير أخلاقية وخطيرة للغاية، علما بأنها تدفع العالم نحو نزاعات جديدة ونحو المزيد من مظاهر القسوة والعنف.
ومن أجل إعادة الذاكرة إلى العالم، وإلى أوروبا والولايات المتحدة على وجه التحديد، سوف تجري روسيا في التاسع من مايو الحالي أضخم استعراض عسكري في تاريخها، بحضور ما يقرب من 26 قائدا وزعيما أجنبيا. وأشارت المصادر الروسية إلى أن قادة دول أوروبية سيحضرون هذا الاستعراض العسكري الضخم، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد أن قادة وزعماء 26 دولة أعلنوا رسميا موافقتهم على المشاركة في الاحتفالات المكرسة للذكرى الـ 70 للنصر على النازية، كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيسا منظمة اليونسكو ومجلس أوروبا مشاركتهم في هذه الاحتفالات.
سيشارك في هذا العرض الأضخم، في 9 مايو المقبل، أكثر من 15 ألف شخص، بما في ذلك وحدات من القوات المسلحة لعدد من بلدان رابطة الدول المستقلة والدول الأجنبية. وأشار شويغو إلى أنه سيتم في الساحة الحمراء بهذه المناسبة استعراض أكبر عدد من الأسلحة والمنظومات والآليات والمعدات العسكرية الروسية وأحدثها. ولأول مرة ستعرض في الساحة الحمراء مدافع ذاتية الحركة من الجيل الجديد "كواليتسيا – سي في"، والصواريخ الاستراتيجية "يارس"، ودبابات المستقبل "أرماتا"، وعربات المشاة القتالية "كورغانيتز – 25"، ومجمع "كورنيت– دي"، والعربة القتالية للإنزال "بي أم دي – 4 أم"، وغيرها من المعدات الحديثة. وستفتتح العرض العسكري دبابات "تي – 34" التي شاركت في الحرب الوطنية العظمى، كما ستحلق في السماء 143 طائرة ومروحية تابعة للقوات الجوية الروسية. وستشهد 30 مدينة روسية و 150 وحدة إدارية استعراضات عسكرية يشارك فيها حوالي 85 ألف عسكري روسي. بهذا الصدد أشار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى أنه سيتم تصوير فيلم وثائقي عن هذا الاستعراض الكبير وسيترجم إلى لغات الدول المشاركة فيه.
من الصعب أن نتحدث الآن عن الأسباب الاقتصادية والأمنية ومآسي وكوارث الحرب العالمية الثانية، وما فعلته النازية بالعالم طوال ما يقرب من 6 سنوات، خسر فيها الاتحاد السوفيتي وحده ما بين 25 – 30 مليون نسمة. ولكن من أجل التذكير فقط، شنت ألمانيا النازية وحلفاؤها على الاتحاد السوفيتي هجوما بقوة لم يسبق لها مثيل. حيث اندفع إلى الهجوم على الأراضي السوفيتية 5 ملايين عسكري ألماني بقوام 190 فرقة و4 آلاف دبابة و 47 ألف مدفع وهاون و4.5 ألف طائرة و200 سفينة حربية. وقصفت الطائرات الحربية الألمانية في اليوم الأول من الحرب المطارات ومواقع حشد القوات ومحطات السكك الحديد والمدن الكبرى وغيرها من الأهداف العسكرية والاقتصادية الهامة في الجمهوريات السوفيتية ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وبيلاروسيا وأوكرانيا ومولدافيا، على امتداد الحدود من بحر البلطيق إلى البحر الأسود.
لقد أغمضت الولايات المتحدة وأوروبا عيونها في ثلاثينيات القرن العشرين عن صعود الحزب النازي في ألمانيا، بينما كانت الأزمة الاقتصادية تعصف بالأولى وتلقي بظلالها على الثانية. وكان من المتوقع، أو المخطط له، أن تقع المواجهة الأساسية بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي الستاليني لكي يتخلص الغرب من هذا الصداع الذي يهدد بنيته الاجتماعية. لكن هتلر فضَّل أن يبدأ بالتهام أوروبا، ولم يقترب من الاتحاد السوفيتي وفقا لمعاهدة السلام وعدم الاعتداء بين البلدين إلا في أبريل 1941. أي بعد أن مهد الأراضي الأوروبية جيدا.
هكذا لعبت الولايات المتحدة وأوروبا دورهما التاريخي في ظهور النازية ومحاولة توجيهها واستخدامها ضد الاتحاد السوفيتي. لكن السحر انقلب على الساحر وواجهت أوروبا واحدة من أكبر المحن في تاريخها، بينما الولايات المتحدة التي تقبع خلف المحيط بعيدة عن كل هذا الدمار، تحافظ على قوة الدفع والتوريط حتى لحلفائها من جهة، وتحصل على النصيب الأكبر من الغنائم من جهة أخرى.
الخطير في الأمر أن التاريخ أعاد نفسه حتى قبل نهاية القرن العشرين. إذ أعادت الولايات المتحدة وأوروبا نفس التجربة بمساندة التنظيمات الدينية اليمينية المتطرفة لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي دفه ثمنا غاليا في أفغانستان، لم يتوقف دعم الولايات المتحدة وأوروبا لتلك الجماعات والتنظيمات، بل اتسعت مساحة استخدامها ورعايتها عبر دول وسيطة للقيام بدور لا يقل عن دور النازية، ولكن هذه المرة تحت عنوان الدين والخلافة الإسلامية.
ولا يقتصر دعم الغرب على تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تعمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعض الدول الأفريقية، بل امتد ليتحول إلى حالة من الصمت أمام ظهور النازية بقوة في ألمانيا وبولندا ودول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) وأوكرانيا. ويبدو أن نفس الأسباب التي دفعت أمريكا وأوروبا إلى استضافة كافة قيادات التنظيمات الإرهابية، هي نفس الأسباب التي تدفعها الآن لإغماض العين عن ظهور النازية الجديدة، بل وتبرير وجودها تاريخيا.
لقد عارضت الولايات المتحدة وأوكرانيا وكندا في 22 نوفمبر 2014 مشروع قرار روسي أممي يدعو الدول لاتخاذ التدابير اللازمة لمنع تمجيد النازية وجميع أشكال التفرقة العنصرية والتعصب. وصوتت 115 دولة من أصل 193 لصالح قرار بهذا الشأن تبنته اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية (اللجنة الثالثة) في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وامتنعت 55 دولة، بينها دول الاتحاد الأوروبي، عن التصويت عليه. وأعرب أعضاء اللجنة في القرار عن القلق العميق حيال تمجيد الحركة النازية، والنازية الجديدة، والأعضاء السابقين في منظمة "فافن إس إس" النازية، بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك عن طريق تشييد النصب التذكارية والأضرحة وإقامة التظاهرات العلنية.
وفي 3 مايو الحالي، أي قبيل الاحتفال بالذكرى الـ 70 للانتصار على النازية وإقامة العرض العسكري في الساحة الحمراء بموسكو، خرج الرئيس البولندي برونيسلاف كوموروفسكي مما وصفه بـ "تحول الساحة الحمراء وسط موسكو إلى ساحة للدبابات قريبا، في الـ9 من مايو/أيار.."، معتبرا أن العرض العسكري يمثل شكلا من أشكال العالم غير الهادئ وغير المستقر، وفق تعبيره. ولم يتوقف الرئيس البولندي عند هذا الحد، بل قال إن "النزاع العسكري لم يكن في أي وقت من الأوقات قريبا من الحدود البولندية كما في يومنا هذا، وهناك ضرورة لحماية أمن بولندا في هذه الظروف، والتفكير في أولادنا". وشدد على أن وارسو سترد على "ممارسات" موسكو بزيادة قدرتها العسكرية، وقدرة حلف الناتو في جبهته الشرقية". ما اعتبره المراقبون استعداء مباشرا من جانب رئيس دولة لشعبه ضد دولة أخرى كان لها الفضل في إنقاذ بلاده من المحارق النازية وتحريرها ضمن الدول الأوروبية التي حررها الاتحاد السوفيتي من النازيين.
إن الألفية الثالثة تشهد انتعاشا للمنظمات القومية المتطرفة والنازية الجديدة في عدد من دول أوروبا، وعلى رأسها بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا، حيث تجري محاولات إعادة التاريخ وتبييض وجه النازية. بل وتسعى تلك الدول إلى المساواة بين المنتصر والمهزوم، وهو ما حذر منه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مؤكدا أن موسكو ستواصل التصدي لمحاولات وضع علامة المساواة بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وأولئك الذين سعوا لاستعباد العالم برمته.
إقرأ المزيد
تشوركين: محاولات تمجيد أعوان النازيين لن تغير قضاء التاريخ
أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن القرار الذي نطقت به محكمة التاريخ بحق أعوان المجرمين النازيين لن يتغير رغم المحاولات لتبرير أعمالهم وتمجيدهم.
بوتين: المحاولات الوقحة لإعادة كتابة التاريخ مرفوضة
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن المحاولات الوقحة لإعادة كتابة التاريخ وتبييض صفحة النازيين وعملائهم غير مقبولة على الإطلاق.
التعليقات