ففي الثلث الأول من سنة 2014، كانت الأوضاع في اليمن شبه مستقرة إذ حاولت صنعاء إعادة ترتيب البيت بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية، خاصة بعد أن أفرز مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في العاصمة اليمنية في الــ25 يناير 2014 بين كافة مكونات المجتمع اليمني السياسية الحزبية والمستقلة وثيقة نهائية أبرزها ما جاء فيها العمل على حل القضية الجنوبية حلا عادلا وضمان عدم تكرار ما حصل من مظالم في السابق، وحل قضية صعدة مع الاتفاق على نزع سلاح الحوثيين، وبسط نفوذ الدولة على كل مناطق البلاد، والاتفاق على شكل دولة اتحادية مكونة من عدة أقاليم.
كما نصت وثيقة على خلق نظام انتخابي جديد، والارتقاء بمجالات التنمية والحقوق والحريات في البلاد، وتشكيل لجنة صياغة الدستور إلى جانب العديد من القضايا التي تهم المواطن اليمني.
علي عبد الله صالح والعودة الخفية للحياة السياسية
شهدت أروقة الحوار الوطني عودة ضمنية وغير مباشرة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح إلى المشهد السياسي، حيث بات واضحا التنسيق بين جناح المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، رغم السجل الحربي بين الطرفين والذي انطلقت شرارته الأولى عام 2004 وانتهى في عام 2010، من خلال سعي عبد الله صالح إلى تحالف عن طريق شيوخ قبائل مساندين له في قبيلة "حاشد" بعد أن مكنهم من التنسيق مع جماعة الحوثي، ما دفع مجلس الأمن في الــ 15 من فبراير إلى تحذير الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض من "محاولة عرقلة عملية التحول السياسي" في اليمن.
اليمن في مواجهة الإرهاب
لقيت الحملة العسكرية الموسعة التي قررتها الحكومة اليمنية ضد تنظيم "القاعدة" والتي انطلقت في 29 من أبريل/نيسان تأييدا شعبيا واسعا شمل مختلف أطراف الحياة السياسية ومختلف شرائح المجتمع.
وحققت القوات العسكرية اليمنية في أقل من أسبوعين انتصارات ساحقة، شملت الإعلان عن قتل المئات من عناصر "القاعدة"، بينها قيادات محلية وأجنبية، وقد أعلنت حينها وزارة الدفاع أنها تمكنت من فرض سيطرتها على المواقع والمناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم في مديريات محافظتي أبين وشبوة.
لكن التنظيم المحظور فتح جبهات جديدة في العاصمة صنعاء، ومحافظات البيضاء وحضرموت "للتنفيس" بتنفيذها عمليات هجومية وانتحارية ضد عناصر الجيش والأمن.
وفي خطوة هي الأولى منذ سقوط نظام صالح دعا الأمن الدولي إلى حشد الدعم الدولي لمساندة اليمن في مواجهة تنظيم القاعدة، وهو ما أجمعت عليه هيئات مجلس الأمن المعنية بمكافحة الإرهاب باليمن في الرابع من يوليو/تموز 2014.
الحوثيون يسيطرون على صنعاء وباسنودة يعمق الأزمة
فيما تسعى الحكومة والقوات اليمنية لفرض سيطرتها على العديد من المناطق، ومواصلة مكافحة تنظيم القاعدة تطورت الأحداث سلبيا بعد سيطرة جماعة "أنصار الله" الموالية للحوثي، على مقر الحكومة ومقار وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش، ومقر البنك المركزي، وإذاعة صنعاء ووزارة الإعلام والتلفزيون الرسمي، ووزارة الصحة، بالعاصمة صنعاء في الــ 21 من سبتمبر/أيلول ما دفع رئيس الوزراء باسنودة إلى تقديم استقالته في نفس اليوم.
عقب استقالة باسنودة عقد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اجتماعا ضم المبعوث الأممي جمال بن عمر وممثلين عن جماعة الحوثي ورؤساء الأحزاب السياسية تمخض عنه اتفاق بقبول استقالة رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة خلال ثلاثة أيام وتخفيض أسعار الوقود وتعيين مستشار للرئيس من الحوثيين وآخر من الحراك الجنوبي.
إلا أن جماعة الحوثي رفضت هذا الاتفاق الذي يلزمهم توقيع ملحق ينص على تسليم الأسلحة التي استولوا عليها من معسكرات الجيش.
وكان الحوثيون قد عرفوا أوج المواجهات في زحفهم مطلع شباط/فبراير 2014 بعد سيطرتهم على منطقة الخميري وتفجير منزل الشيخ عبد الله الأحمر، الذي كان يرأس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، وبعد المعارك الضارية مع القوات الحكومية والسيطرة على عمران فرض الحوثيون حصارا على صنعاء بحجة إسقاط الحكومة والحث على تطبيق بنود الحوار الوطني.
ويبقى تاريخ "سقوط صنعاء" نقطة تحول على جميع المستويات فبعد السيطرة الحوثية واستقالة رئيس الوزراء، تجمع الفرقاء السياسيون في نفس اليوم ووقعوا "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" بحضور الرئيس عبد ربه منصور هادي والمبعوث الدولي جمال بن عمر.
ومثل الاتفاق المبرم غطاء سياسيا للحوثيين أمام المجتمع الدولي وتغييرا في خارطة الطريق التي وضعت بنودها في المبادرة الخليجية عام 2011.
الحراك الجنوبي.. عصيان مدني ومطالبة بالانفصال
في 14 أكتوبر/تشرين الأول، خيم المحتجون من أنصار الحراك الجنوبي منفذين اعتصاما مفتوحا طالبوا فيه بـفك ارتباط الجنوب عن الشمال، مستغلين الفوضى التي تلت انتشار المسلحين الحوثيين في الشمال والفراغ الحكومي وهشاشة الدولة في صنعاء.
ورفع المعتصمون أعلام دولة الجنوب السابقة فوق معظم المخيمات.
وفي الـــ24 أكتوبر/تشرين الأول، شهدت عدن حشدا كبيرا من أنصار الحراك الجنوبي مساندين للعصيان المدني تحت تسمية "جمعة الغضب" والذي دعت إليه قيادات في الحراك للمطالبة بالانفصال عن الشمال، معتبرين أن "جمعة الغضب" تدشين للتصعيد الثوري الجنوبي للمطالبة بالانفصال عن السلطة المركزية في صنعاء، وما أسموها استعادة الدولة وحق تقرير المصير.
وقد سبق "جمعة الغضب"، إعلان اندماج الفصائل المختلفة المطالبة باستقلال الجنوب عن الشمال تحت سقف المجلس الأعلى للحراك الثوري السلمي لتحرير واستقلال الجنوب.
وأكد الزعيم الجنوبي حسن باعوم، رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي السلمي أن الهدف من الحراك هو التحرير والاستقلال واستعادة وبناء دولة الجنوب بهويتها الجنوبية في إطار نظام برلماني فيدرالي تعددي.
صراع كبير، اقتصاد هش والسعودية تندد وتقطع الدعم
رغم المكسب "المزعوم" الذي تحقق لتهدئة الأوضاع والحيلولة دون خروجها عن المسار السلمي، أبدت السعودية قلقها من سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة العميقة للدولة والقبول بها كشريك أساسي في العملية السياسية الانتقالية.
وجاء ذلك في البيان الصادر عن وزراء مجلس التعاون الخليجي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الرافض للتطورات الأخيرة، مشددا على أن دول المجلس لن تبقى مكتوفة الأيدي دون رد، معتبرين أن عدم استقرار اليمن وسيطرة مجموعات مسلحة يهدد أمن الخليج ككل.
يذكر أن اليمن خسر جراء تخريب أنابيب النفط والغاز حوالي 7 مليار دولار في ثلاث سنوات، في الوقت الذي يعاني فيه من أزمات مالية حادة خاصة وأن النفط والغاز تشكلان 70 بالمائة من إيرادات ميزانية الدولة.
ولعل ما زاد الأوضاع الاقتصادية تعقيدا وتأزما هو قرار الرياض في الرابع من ديسمبر/كانون الأول تعليق حصة كبيرة من مساعداتها للحكومة اليمنية بعد أن وسع الحوثيون نفوذهم في العاصمة صنعاء، ويعتمد اليمن بشكل كبير على المساعدات السعودية لدفع رواتب الموظفين وتأمين الرعاية الاجتماعية.
وكانت صحف أمريكية قد حذرت من أن تزايد نفوذ الحوثيين قد "يغضب" السعودية ويجعلها تقطع مساعداتها كما فعلت مع لبنان عندما فاز "حزب الله" بمقاعد في البرلمان.
البرلمان يمنح الثقة للبحاح بشروط
في الأول نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد اجتماعات ماراثونية، وافق الفرقاء السياسيون في اليمن على اقتراح الرئيس عبد ربه منصور هادي على تكليف رئيس الوزراء خالد بحّاح بتشكيل حكومة كفاءات جديدة بعيدة عن المحاصصة الحزبية.
وأمهلت جماعة الحوثي الرئيس منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحّاح 10 أيام لتشكيل الحكومة مهددين بتشكيل مجلس حكماء لإدارة شؤون البلاد في حال عدم الاستجابة الى طلبهم.
ويعتبر تشكيل الحكومة جزءا من الاتفاق الذي تم التوصل اليه برعاية الأمم المتحدة في 20 أكتوبر/تشرين الأول لتسوية الازمة السياسية في اليمن.
ومنح مجلس النواب اليمني بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول الثقة للحكومة الجديدة التي يرأسها خالد بحاح بعد أن رضخت للشروط التي وضعها المجلس برفض العقوبات الأممية ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح واثنين من قيادة جماعة الحوثي، بعد أن فشلت المداولات في الــ 16 ديسمبر/كانون الأول.
وأكد رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح خلال اجتماع لمجلس الوزراء أن حكومته لن تسمح بأي مشروع غير المشروع الدستوري والقانوني لإدارة الدولة، مشددا على أنها لن تقبل أن تكون صورية.
مصالحة بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي والولايات المتحدة تفرض عقوبات
في خطوة غير مسبوقة في الــ10 نوفمبر/ تشرين الثاني اتجهت جماعة الحوثيين وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح المؤتمر الشعبي إلى توقيع اتفاق سياسي يعلن التحالف بينهما للتنسيق السياسي في قضايا البلاد.
وجاء هذا التحالف كرد على الولايات المتحدة، لفرضها عقوبات على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، واثنين من قيادات جماعة الحوثي، هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيي الحكيم، حيث اعتبرت جماعة الحوثي العقوبات تدخلا في شؤون اليمن.
فشل عملية تحرير الرهينة الأمريكي
بعد التهديدات التي وجهها تنظيم القاعدة باليمن للولايات المتحدة بتصفية الصحفي الأمريكي لوك سومرز المختطف منذ سبتمبر/أيلول 2013 والبالغ من العمر 33 سنة، قررت الإدارة الأمريكية تنفيذ عملية إنزال ومداهمة لتحريره، إلا أن العملية باءت بالفشل.
وجاء في بيان صادر عن البنتاغون في الرابع من ديسمبر/كانون الثاني أن "عملية التحرير التي قامت بها الولايات المتحدة بالتعاون مع السلطات اليمنية نجحت في تحرير عدد من الرهائن المحتجزين بيد تنظيم القاعدة لكن الصحفي الأمريكي لوك سومرز لم يكن ضمن المجموعة المحررة".
يذكر أن اليمن حليف أساسي للولايات المتحدة في حملتها ضد "القاعدة"، وتجيز لواشنطن شن هجمات بواسطة طائرات من دون طيار ضد مواقع التنظيم على أراضيها.
تفجيرات صنعاء
وكما توقع محللون سياسيون وخبراء، ردة فعل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به على الحوثيين، نفذت جماعة "أنصار الشريعة" ذراع تنظيم القاعدة التهديدات بتفجيرات انتحارية استهدفت تجمعا حوثيا في مأرب في 28 سبتمبر/أيلول 2014، وفي الـــ9 أكتوبر/تشرين الثاني وخلفت التفجيرات العديد من القتلى، ناهيك عن اندلاع موجهات في محافظات إب والبيضاء.
شهد صنعاء عام 2014 سلسلة تفجيرات بينهما استهداف منزل السفير الإيراني بصنعاء بسيارة مفخخة في الثالث من ديسمبر/كانون الأول، وتبناه تنظيم القاعدة باليمن،كما هزت خمس تفجيرات متتالية في 24 ديسمبر/كانون الأول العاصمة وقتل فيها شخص وأصيب ثلاثة آخرون.
وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها استهداف وسط العاصمة والأحياء السكنية بمثل هذه العبوات، والغريب أنها حدثت في منطقة في عمق تواجد الحوثيين، ما يبعث على تساؤلات حول قدرتهم على السيطرة على الأوضاع الأمنية في العاصمة والمدن الأخرى التي يتمركزون فيها.
مسودة الدستور
بعد مرور عام كامل من الأحداث الدامية والمشهد السياسي المتقلب، جاء خبر مسودة الدستور نقطة بيضاء تنقذ ماء وجه الحكومة اليمنية، ولو قليلا، حيث أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الــ22 من ديسمبر/كانون الأول أن مسودة الدستور ستكون جاهزة خلال أيام من أجل تنفيذ بنود الحوار الوطني وفقا لمقتضيات المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وتشكل المصادقة على مسودة الدستور، جسرا نحو تنظيم انتخابات برلمانية.
بات السيناريو اليمني اليوم مفتوحا على كل الخيارات والسيناريوهات، يتأرجح بين ثنائية الاتصال أو الانفصال من جهة، والحرب الأهلية والطائفية من جهة أخرى، بحكم الطبيعة القبلية والمذهبية للمجتمع اليمني.
وتطرح سيطرة الحوثيين على صنعاء، واقعيا وسياسيا، إلى جانب ضعف سلطة الدولة المركزية، تساؤلات حول مآل "اليمن السعيد" وثورته المنقوصة في العام 2015
المصدر:RT