يدرك قادة إسرائيل أن الجمهور لا يستطيع الصبر طويلا على التقليصات في الميزانية ولو كانت تحت عنوان الدفاع عن إسرائيل ومواطنيها.
ورغم الدعم الشعبي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال حربه على غزة فإن من طباع الإسرائيليين المسآلة عن النتائج السياسية والمادية أيضا. وهو أمر عرفه نتنياهو قبل أن يرسل آلته الحربية إلى تخوم القطاع.
رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يعلم ما ينتظره ذهب إلى الحرب مرغما، لا لكبح مقاتلي حماس بل للحفاظ على كرسي تربع عليه بصعوبة وتعطش إليه منذ تسعينيات القرن الماضي بعد أن خلع عنه آنذاك، لكن، وفي جميع الأحوال ما كان لمواطني إسرائيل أن يسكتوا على وقوف نتنياهو مكتوف الأيدي في ظل تعاظم الحركة المسلحة على الحدود ووسط تحريض أحزاب متطرفة في ائتلافه على شن الحرب.
نتنياهو الذي جلس بين نارين اختار نارا ظن أنه قادر على إخمادها بسهولة واقتناص الفوز وضمان علو كعبه على منافسيه.. لكن الحرب على غزة وقدرات الفصائل الفلسطينية المسلحة خيبت آمال رئيس الوزراء الإسرائيلي.. وهو ما ظهر جليا أواخر أيام الحرب حينما غابت التصريحات الرنانة وبدأ يجنح نحو السلم متجاهلا ائتلافه ووزراءه.
حينها أدرك نتنياهو نتائج الخيبة المرة التي سيتجرعها من المنافسين له من ائتلافه وخارجه الذين راحوا يتسللون رويدا رويدا إليه بالنصائح والدروس السياسية والاقتصادية في إشارة إلى انتهاء مهمته كرئيس للحكومة.
فها هو أحد أهم وزرائه، يتسحاق أهرونوفيتش، وزير الأمن الداخلي يبشره علنا بأن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان سيحل مكانه في أي انتخابات قادمة.
ولوزير المالية عن حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد أسلوبه أيضا في تلقين نتنياهو الدروس بعد الحرب. فالأخير بحاجة ماسة لرفع ميزانية الدفاع وتغطية نفقات الحرب الأخيرة لكنه يُواجه بلاءات لابيد الذي يرفض التوقيع على مشروع قانون يرفع أسهم نتانياهو.
أضف إلى ذلك الانتقادات الحادة التي توجهها الأحزاب المتطرفة في الحكومة مثل "البيت اليهودي" و "يهودوت هتوراه" بسبب الهدنة مع غزة. فهذه الأحزاب ومنذ البداية تطالب بإعادة احتلال القطاع بشكل كامل وترفض التهدئة.
إضافة إلى ذلك يحاول نتنياهو التوفيق بين الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب المحسوبة على الوسط كحزب "هناك مستقبل" وحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، وزيرة العدل، لكن دون جدوى. فالأخيران يطالبان نتنياهو بتحريك العملية السلمية، وسن قوانين تجبر المتدينين اليهود على الخدمة في الجيش، فيما تضغط أحزاب اليمين عليه لرفض مقترحات الوسط، ووقف التفاوض مع الفلسطينيين، وإلغاء اتفاقية أوسلو، وفرض السلطة الإسرائيلية على أجزاء جديدة من الضفة الغربية.
الانتقادات السياسية لنتنياهو وضعت حكومته على نار هادئة قد يُصب الزيت عليها في أية لحظة وتُطلق رصاصة الرحمة نحوها تمهيدا لانتخابات مبكرة.
هكذا كان مصير سلفه أيهود أولمرت بعد حرب "الرصاص المصبوب" على غزة قبل نحو خمسة أعوام، وهذا ما تخوف منه نتنياهو، خصوصا وأن للرجل سابقة مماثلة. ويحاول نتنياهو بكل جهد عدم تكرار إسقاط حكومته وعزله، كما في عام 1999 فللوضع الحالي ما يشبهه آنذاك، وعدم رضى الولايات المتحدة عن سياسته حينها لا يختلف عن اليوم. فالرئيس الأمريكي بيل كلينتون عاقبه بوقف الدعم المادي لحكومته، وليس غريبا أن يوقفه الرئيس الحالي باراك أوباما الذي طالما شجع الوسط نحو رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
المصدر: RT