أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن السلطات في كييف لم تنفذ شيئا مما تم الاتفاق عليه في جنيف، مشيرا إلى أن مشروع قانون العفو الذي أعدته كييف لا يتعلق بالمعتقلين السياسيين.
وقال لافروف في حديث لبرنامج "SophieCo" على قناة RT: "خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلنت كييف عن استئناف عملية مكافحة الإرهاب"، واصفا اتخاذ هذا القرار أثناء زيارة بايدن بالمؤشر المهم. وأضاف أن كييف قررت بدء العملية بعد زيارة مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية جو برينان.
وأكد الوزير الروسي: "لذلك لا توجد لدي شك في أن الولايات المتحدة تدير هذا الاستعراض".
كما قال الوزير الروسي إن هؤلاء الذين لا يعترفون بالانتخابات دون إصلاحات دستورية في سورية يرحبون بالانتخابات في أوكرانيا.
وأكد الوزير أن موسكو تريد إجراء تحقيق في تورط شركة الأمن الأمريكية "غريستون" في الأحداث الأخيرة بأوكرانيا.
وأكد وزير الخارجية الروسي أن رئيس الوزراء المعيّن من قبل البرلمان الأوكراني أرسيني ياتسينيوك كان من الأفضل أن يزور جنوب أوكرانيا بدلا من الفاتيكان.
وقال: "ياتسينيوك يتوجه الآن إلى الفاتيكان. بدلا من القيام بزيارات إلى الخارج كان من الأفضل له أن يزور الجنوب. الأسبوع الماضي عندما كان هناك التقى فقط الأشخاص الذين عيّنهم، لكنه لم ينظم لقاءات مع المتظاهرين".
من جهة أخرى نفى لافروف امتلاك موسكو أية أدوات للتأثير في الأحداث بجنوب شرق أوكرانيا، قائلا: "ليس لدينا أي أدوات للتأثير في جنوب أوكرانيا".
لافروف: سنرد إذا هوجمنا
وقال وزير الخارجية الروسي: "سنرد بالطبع إذا هوجمنا"، مؤكدا أن الهجوم على مواطني روسيا هو هجوم على روسيا. وأضاف: "إذا تعرضت مصالحنا الشرعية، مصالح المواطنين الروس للهجوم مباشرة، كما حدث في أوسيتيا الجنوبية في أغسطس (عام 2008) فإنني لا أرى أية إمكانية أخرى باستثناء الرد وفقا للقانون الدولي".
وأكد لافروف أن موسكو لم تخفِ أبدا أنها نشرت قوات إضافية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، مشيرا إلى أن كييف من جهتها أرسلت مزيدا من القوات إلى مقاطعات جنوب وشرق البلاد.
وأوضح الوزير الروسي أن موسكو تجري تدريبات عسكرية بانتظام وبشكل دوري.
وأكد أن "القوات المسلحة الروسية توجد داخل أراضي روسيا"، مشيرا إلى أن "المفتشين زاروا مواقع نشر القوات التي تشارك في التدريبات، كا تم تفتيش هذه المناطق باستخدام الطائرات.. ولم يلاحظ أحد من الأمريكيين والأوروبيين والأوكرانيين أي دليل على قيام روسيا بأية أنشطة عسكرية خطرة".
لافروف يأمل في ألا تفكّر واشنطن بمصالحها الجيوسياسية فقط
وأعرب لافروف عن أمله في ألا تفكّر الولايات المتحدة فقط بمصالحها الجيوسياسية.
وقال: "فيكتوريا نولاند (مساعدة وزير الخارجية الأمريكي) ترى أن الاستيلاء على المقرات الإدارية في كييف جرى بشكل شرعي"، واصفا ذلك بالأمر الغريب للغاية.
وأكد الوزير الروسي أن أوكرانيا هي أحد مظاهر عدم رغبة الولايات المتحدة في تقديم تنازلات في المعركة الجيوسياسية.
النص الكامل للحوار مع سيرغي لافروف:
س.: أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى كييف، أعلن أن لدى روسيا القليل من الوقت من أجل تنفيذ الالتزامات التي جرى الاتفاق عليها في جنيف. ما الذي ينتظره الأمريكيون من روسيا؟
ج.: من الصعب قول ذلك. أبحث هذه المسألة بشكل يومي تقريبا مع جون كيري، وسيكون من الصراحة بمكان أن أقول إن الشركاء الأمريكيين يحبذون إلقاء كل اللائمة على روسيا، بما في ذلك المسؤولية عن بدء الصراع، ويعتبرون أننا نحن من يجب أن نقوم بخطوات ما. الأمريكيون يتهموننا بوجود قوات وعملاء في جنوب وشرق أوكرانيا، ويقولون إنه حالما تصدر روسيا الأوامر، فإن المباني المحتلة بشكل غير شرعي ستخلى على الفور، وأن على روسيا بالذات إقناع جنوب وشرق أوكرانيا بالتخلي عن مطالب الفدرلة وإجراء الاستفتاء وهلم جرا. وذلك يشكل تشويها كاملا للمهام المتفق عليها. حيث اتفقنا في جنيف على نهج موحد بشأن الأعمال غير الشرعية، سواء كان ذلك في كييف أو غرب البلاد أو جنوبها أو شرقها. إن من بدأ الأعمال غير القانونية يجب أن يكون أول من يباشر بالتهدئة. الميدان في كييف محتل إلى الآن، وهناك مبان في كييف وبعض المدن الأخرى ما زالت محتلة، والذين أحرقوا مقر الحزب الشيوعي ودار النقابات في كييف تجنبوا التحقيقات كليا. ذلك أمر غريب. لا يمكن تخيل اندلاع أحداث مماثلة في أي من المدن الأوروبية، وذلك دون مجرد التطرق إلى القناصة، حيث نسي الجميع أمرهم. ولا نسمع إلا عبارات من قبيل: دعونا نركز على مكافحة التهديدات الإرهابية في شرق وجنوب البلاد. اتفقنا في جنيف على أن نضع حدا لكل أشكال العنف. وعلى الفور، في اليوم التالي أعلن ألكسندر تورتشينوف ما يمكن اعتباره عمليا حالة الطوارئ في البلد، وأصدر أوامر للجيش بفتح النار على المشاركين في التظاهرات السلمية. اتفقنا في جنيف على إبعاد المتشددين بشكل تام عن السلطة، إلا أن حزب القطاع الأيمن يقوم إلى يومنا هذا بأعمال نشطة للغاية، حيث قام أنصاره بأعمال استفزازية وقتلوا بعض الأشخاص قرب مدينة سلافيانسك، وذلك تحديدا يوم الأحد الموافق لعيد الفصح المجيد. كذلك اتفقنا جميعا على أن المشاركين في الاحتجاجات سيحصلون على عفو عام، ولكن وعلى عكس كل الاتفاقيات فإن العمدة الشعبي لمدينة دونيتسك بافل غوباريوف ما زال يقبع في السجن، فيما الاعتقالات تتواصل، لقد بحثنا الأمر في جنيف، وجون كيري أعلن أن أوكرانيا مستعدة للعفو عن أولئك الذين سيغادرون المباني المحتلة ويلقون السلاح جانبا. إن بافل غوباريوف لم يشارك أبدا في الهجوم على المباني، ولم يحمل السلاح على الإطلاق، وجرى اعتقاله فقط لمجرد أنه بعد انتخابه عمدة شعبيا كان قد أطلق دعوة للاستفتاء حول فدرلة أوكرانيا. وهذا كل ما في الأمر. إنه يقبع وراء القضبان لأسباب سياسية من دون شك.
وبهذا الشكل، لم يجر تنفيذ شيء مما اتفق عليه في جنيف من المطالب الموجهة إلى السلطات في كييف. نعم، لقد خرجوا بمشروع قرار حول العفو العام، ولكن على حد علمنا فإنه لا يشمل المعتقلين السياسيين. نعم، لقد أعلنوا عن توقف مؤقت لما يسمى عمليات مكافحة الإرهاب، ولكن عقب زيارة جو بايدن إلى كييف فإن العمليات جرى تفعيلها مجددا. لا بل تشير لحظة إعلان استئناف تلك العمليات إلى الكثير، وخاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك العمليات استؤنفت مباشرة بعد زيارة جورج برينين إلى كييف. وبالتالي لا أملك أية أسس للتشكيك بإدارة الولايات المتحدة لكل ما يجري عن كثب.
س.: دعوتم جون كيري لممارسة ضغوط على كييف. أي أنكم بهذا تعترفون بأن الولايات المتحدة تلعب دورا محوريا في أوكرانيا؟
ج.: أعتقد أن الأمر كذلك. لا تلعب واشنطن ذلك الدور في كل البلد، بل لها تأثير كبير على النظام الذي وصل إلى السلطة في كييف. الولايات المتحدة تتصرف بشكل مباشر ولا تشعر بتأنيب للضمير مقارنة بالأوروبيين الذين يحاولون التصرف بشكل أكثر لطافة. ترد معلومات كثيرة جدا عن دور عناصر السي آي إيه في تصعيد الأوضاع في أوكرانيا وعن تواجدهم في هذا البلد. جزء منهم تمركز في مبنى الأمن الأوكراني، ويشغلون هناك طابقا كاملا. وعدا ذلك، ظهرت مجددا معلومات عن دور السفارة الأمريكية في أحداث الميدان، حيث ساهمت السفارة بشكل مباشر في تسليح النشطاء الذين خططوا للقيام بأعمال غير قانونية، كالاستيلاء على المباني وغير ذلك، ولم نسمع عن أي دحض مقنع لهذه المعلومات. وطبعا، حين نسمع يوميا من جون كيري عبر الهاتف عن أهمية اتخاذ خطوات محددة، وحين نأخذ بعين الاعتبار آلاف الكيلومترات الفاصلة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، ونرى القلق الأمريكي حول عدم تنفيذ النظام الحاكم هناك والممول من قبلهم لخطوات واضحة، يتولد لدينا انطباع بأن الولايات المتحدة تدير الاستعراض هناك.
س.: وماذا عن روسيا؟ إذ أعلنت مرارا أنها لا تعتبر حكومة كييف شرعية، ولكن مع ذلك، تشارك في اللقاءات الدبلوماسية. لقد التقيتم مع وزير الخارجية الأوكراني في جنيف ولاهاي. هل يوجد لدى موسكو أية أدوات تأثير على كييف؟
ج.: لا. لا يوجد لدى موسكو أية أدوات تأثير على كييف.
س.:وماذا بالنسبة لشرقي أوكرانيا؟
ج.: تمردَ سكان الشرق الأوكراني بعد أن جرى تجاهل مصالحهم على مرّ شهور وبكل بساطة. لقد شاهدوا ماذا جرى في كييف بسبب الميدان والقطاع الأيمن والمجموعات المتطرفة الأخرى، وكيف سقط بنيران القناصة عشرات الناس، وكيف حصل على العفو العام فورا كل من عارض حكومة يانوكوفيتش، في حين أن أولئك الذين يقومون الآن بمجرد نشاط سياسي جنوب شرقي البلاد، فإنه لا يجري الحديث عن عفو عام بشأنهم. إن النظام الجديد في كييف، والذي حصل على شرعيته من الميدان قبل أن تنتخبه الرادا العليا(البرلمان)، وهي مسألة يجب ألا ننساها، كانت ردة فعله الغريزية هي إلغاء القانون حول أحكام اللغة الروسية وغيرها من اللغات في المناطق. نعم، إن الناطق باسم البرلمان الأوكراني لم يوقع على المرسوم القاضي بإلغاء ذلك القانون، إلا أن الزخم بعد إلغاء القانون أظهر وبوضوح دوافع ومخططات الحكومة الجديدة. وبعدها، ومن خلال النقاشات داخل الائتلاف الذي نذكر أنه يضم ممثلين عن حزب سفوبودا (الحرية)، أصبح تصاعد النزعة الشوفينية فيه واضحا. القاعدة السياسية لـ"سفوبودا" تأسست على إعلان الأوكرانيين المتعاونين مع العدو المحتل، وجرى إقرار ذلك الإعلان في حزيران/يونيو عام واحد وأربعين من القرن الماضي، وجاء في البيان أن الأوكرانيين الحقيقيين يجب أن يساعدوا هتلر في تشكيل نظام أوروبي جديد. تعترف الولايات المتحدة بأولئك جزءا من الائتلاف الحاكم، وأسأل باستمرار جون كيري لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة الاعتراف بالمعتقدات السياسية لـ"سفوبودا" والقطاع الأيمن. في الجلسات الخاصة يتحدث كيري بأنه من غير المقبول دعم حكومة ذات نظرة شوفينية معادية للسامية، وتلجأ للأساليب الإرهابية. ولكن رسميا، لم تتحدث واشنطن أبدا عن سفوبودا والقطاع الأيمن بشكل سلبي. الولايات المتحدة تواصل التفكير بأن هذه العناصر تتحرك ببطء لتصب في الاتجاه السياسي الرئيس وتؤكد على ذلك باستمرار، لكن الأمر على العكس تماما.
ولذلك نفهم ما الذي أدى إلى التمرد في جنوب وشرق البلاد. الناس الذين خرجوا إلى الشوارع لا يرغبون ببساطة أن يتكرر لديهم ما جرى في كييف، وما جرى محاولة فعله في القرم. وأولئك الناس يريدون بالطبع دعم العلاقات الودية مع روسيا. لديهم الكثير من الأقارب في روسيا، وهم ينصتون باهتمام بالغ لموقف موسكو، ولكن هؤلاء أشخاص لا دمى، ولا يمكن ضمان أن يكونوا على استعداد لتصديق أية وعود من كييف، فلم يعودوا يصدقون الكلمات، بل يحتاجون إلى خطوات حقيقية. ينبغي على النظام الحاكم أن يتراجع عن أوامره باستخدام القوات المسلحة ضد الشعب. على نظام كييف أن يحرر المعتقلين السياسيين، وعليه تطبيق الالتزامات التي أخذها على عاتقه في الحادي والعشرين من فبراير/شباط الماضي، حين وقع اتفاقية نصّت على تسليم كافة الأسلحة غير الشرعية، والبدء بنزع سلاح القطاع الأيمن. وقد حان الوقت ببساطة للكف عن القول إنهم سيضمنون مشاركة كافة الأقاليم في العملية الدستورية. بل يجب القيام بذلك من خلال الجلوس وراء طاولة المحادثات. وبدل قيام ياتسينيوك بسفرات خارجية - حيث سمعت أنه يستعد لزيارة الفاتيكان – أعتقد أن من الأفضل له أن يزور جنوب البلاد. أثناء زيارته السابقة إلى الجنوب في الأسبوع الماضي التقى فقط بالأشخاص الذين قام بتعيينهم هناك، ولم يلتق بالمحتجين، في حين أن أوساط المحتجين بالتحديد هي المكان الذي على سلطات كييف الحالية أن تعمل فيه، إذا كانت تسعى بالفعل لتمثيل كل البلد.
س.: الناس في الغرب، ولا أتحدث هنا عن الدوائر السياسية، بل عن الناس العاديين والمشاهدين، هؤلاء الناس يعتقدون أن الأحداث الجارية في جنوب وشرق أوكرانيا تشبه إلى حد كبير ما وقع في الميدان. فقوات الدفاع الذاتي في شرق أوكرانيا تتصرف بنفس الطريقة التي انتهجها "القطاع الأيمن" في أحداث الميدان: ونحن نرى أعمال الفوضى واحتلال المباني الحكومية وعدم الرغبة في إلقاء السلاح. وهؤلاء المحتجون يتبنون موقفا مواليا لروسيا، لذلك يسأل المشاهدون: لماذا لا تبدي روسيا الاستياء في هذه الحالة كما أعربت عن الاستياء من أحداث الميدان؟ ولماذا لا تفعل روسيا شيئا لتهدئة هؤلاء الناس؟
ج.: أنا لا أعتقد أنه يمكن لومنا واتهامنا بتجاهل مشاكلهم، فنحن متضامنون معهم. ونؤكد بإصرار، بواسطة الأدوات السياسية، ضرورة أخذ مصالحهم بعين الاعتبار. ولهذا السبب بالذات شاركنا في لقاء جنيف، حيث تم تبني الوثيقة التي تنص على ضمان حقوق وحريات متساوية لجميع المشاركين في العملية التشريعية، انطلاقاً من فهمنا للحكومة المؤقتة، أو من يصفون أنفسهم بذلك، ينبغي عليهم اتخاذ الخطوة الأولى في هذا الاتجاه ووضع حد لكل خروقات وانتهاكات القانون التي مازالت مستمرة في كييف وفي الأقاليم الأخرى في ، وليس فقط في الجنوب والشرق.
أما ما يتعلق بالجنوب والشرق، فقد أعلن الزعماء المنتخبون شعبيا هناك استعدادهم لتسليم السلاح وإخلاء الأبنية المحتلة، شرط توقف الحكومة عن إصدار أوامر غير قانونية باستخدام القوات المسلحة، وأن تنفذ التزاماتها تجاه عناصر "القطاع الأيمن" وغيرهم من المتطرفين، وكذلك تجاه المباني المحتلة في كييف والتي لم تُسَلم للحكومة حتى الآن. وعندما شددنا على تنفيذ اتفاقات جنيف بالكامل، بدءاً من إخلاء المباني المحتلة في كييف، صدر تصريح من الجانب الأمريكي- من فيكتوريا نولاند، إن لم أكن مخطئا- بأن هذه المباني مشغولة بصورة قانونية، لأن سلطات كييف صرحت لمن قاموا بشغلها بذلك، وبناء عليه فإنهم موجودون هناك على أساس قانوني. ومن الصعب التسليم بأن مثل هذه الحجج تساق بشكل جدي.
س.: في الحقيقة، المشاركون في توقيع اتفاقية 21 فبراير/شباط المبرمة بحضور الدول الغربية تجاهلوها، لكنكم تقولون الآن إن اتفاقية جنيف يجري إهمالها كذلك؟
ج.: هكذا بالضبط..
س.: هل هناك فائدة من عقد مثل هذه الاتفاقيات في حال عدم التوصل إلى الحل الفعلي؟
ج.: تم توقيع اتفاقية 21 فبراير/شباط من أجل إجبار يانوكوفيتش على عدم استخدام الشرطة وعدم إعلان حالة الطوارئ. ونفذ يانوكوفيتش هذا وذاك. ومن حيث الجوهر كان ذلك يعني إعلان الاستسلام من قبله. وهو نفذ التزاماته على نحو كامل، والآن يُتَّهم بأنه لم يوقع القانون الخاص بالعودة للدستور السابق، لكن هذا القانون بات ساري المفعول رغم ذلك. تمت تلبية كل مطالب المعارضة بشكل كامل. أما المعارضة نفسها فلم تلتزم بشروط الاتفاقية. لذلك كان اللقاء في جنيف يهدف إلى إعادة الأمور إلى مجراها السابق، بما في ذلك إطلاق عملية الإصلاح الدستوري بمشاركة كل الأقاليم الأوكرانية. إذا، الاتفاقية وُقعت لكنها تُخرق من قبل أولئك الذين كان عليهم القيام بالخطوة الأولى.
س.: هل كان عليهم أن يقوموا بالخطوة الأولى؟
ج.: نعم، بالتأكيد.
س.: ألا تستطيع روسيا إجبار قوات الدفاع الذاتي على التخلي عن السلاح؟
ج.: لا، وليست لدينا أية أدوات أو إمكانيات لإجبار سكان جنوب شرق أوكرانيا على اتخاذ تدابير أحادية لاسيما في الظروف التي تواجههم فيها وحدات من الجيش ومجموعات من القطاع الأيمن الذي كان ينبغي نزع سلاحه منذ فترة. بل على العكس من ذلك يتزايد عدد الناس الذين تم إلقاء القبض عليهم لأسباب سياسية.
س.: معالي الوزير، صرَّحتم مرارا أن روسيا لا تعتزم إرسال قواتها الى أراضي أوكرانيا. من جهته أكد السيد دميتري بيسكوف الناطق باسم الرئيس الروسي أنه تجري عملية نقل قوات إضافية الى الحدود مع أوكرانيا.هل ترجحون أسوأ احتمالات تطور الأوضاع، وحينها تُستخدم تلك القوات؟
ج.: لم ننفِ في يوم من الأيام أننا أرسلنا قوات إضافية الى الحدود الروسية الأوكرانية. والسلطات الأوكرانية سلكت نفس المسلك، إذ أرسلت جزءا من قواتها الى الأقاليم الشرقية والجنوبية للبلاد. تتواجد قواتنا في الأراضي الروسية وتشارك في المناورات العسكرية التي تجري بشكل منتظم بعد أن أصبح سيرغي شويغو وزيرا للدفاع. وجرت المناورات في الصيف والخريف من العام الماضي في سيبيريا وفي الشرق الأقصى ومن ثم في وسط روسيا على مقربة من الحدود مع أوكرانيا. وفي الوقت الراهن، كما فهمتُ، هناك خطط لإجراء مناورات في شمال غرب روسيا. وهذه العملية مستديمة تهدف الى توفير الجاهزية القتالية الدائمة لقوات الجيش، على أمل ألا تُضطرّ لخوض أعمال قتالية.
س.: ولكن فيما يتلخص أسوأ السيناريوهات؟
ج.: إذا تعرضنا للاعتداء فسندافع عن أنفسنا من دون أي شك. في حال تضييق الخناق على مصالح روسيا والمواطنين الروس كما حصل في أوسيتيا الجنوبية لن يبقَ لنا إلا أن نردَّ بما يتوافق مع القانون الدولي، إذ أن أي اعتداء على مواطني روسيا يعني الاعتداء على روسيا نفسها. والشيء الوحيد الذي أريد التركيز عليه الآن هو أن القوات الروسية توجد حاليا في الأراضي الروسية. وقد استجابت روسيا للطلب الخاص بإجراء تفتيش في أراضيها في إطار ما يسمى وثيقة فيينا الصادرة عام 2011 ومعاهدة "السماء المفتوحة". وبموجبها زار المفتشون الأجانب مناطق تمركز الوحدات العسكرية الروسية المشاركة في المناورات وقاموا بتحليقات استطلاعية فوق تلك المناطق. ولم يجدْ أحد منهم، لا الأمريكيين ولا الأوكرانيين ولا الأوروبيين، لم يجدوا أي دليل على أن تصرفات روسيا تحمل في طياتها تهديدا ما.
نتواجد على أراضينا ولا نقوم بأية أعمال تحظرها أية التزامات. القوات الأوكرانية أيضا تتواجد على أراضيها، ولكن الفرق يكمن في أنهم تلقوا أمرا من تورتشينوف باستخدام السلاح ضد السكان الآمنين، وذلك أمر إجرامي.
س.: مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أيضا ذكروا أنهم شاهدوا دلائل على وجود مسلحين أجانب على الأراضي الشرقية في أوكرانيا. الإدارة الأمريكية تعتبر أن هذه القوات روسية.
ج.: إن المراقبين الدوليين استنادا إلى التقارير الأخيرة الصادرة عنهم على أقل تقدير أكدوا عدم وجود أدلة على وجود خبراء عسكريين روس. يوجد ما يشير إلى وجود مستشارين عسكريين أجانب، ولكن من أجل تأكيد هذه المعلومات، على المراقبين مواصلة عملهم. الحقيقة الوحيدة المؤكدة والتي استعرضها الأمريكيون هي استخدام الأسلحة الروسية، وذلك بغض النظر عن الصور المفبركة بواسطة البرامج الكمبيوترية التي ينشرها الأمريكيون في كل مكان. ولكن على الأراضي الأوكرانية يستخدم الجميع الأسلحة النارية الخفيفة روسية الصنع، مثل بنادق كلاشينكوف الآلية ومسدسات ماكاروف. ولذلك فإن الحجج المماثلة ليست مقنعة إلى أبعد الحدود. ولكن منذ يومين نقلت شاشات التلفزة اكتشاف عتاد وذخيرة أمريكية، ونرغب أن يجري تحقيق بهذا الصدد.
كما تعرفون، فقد وردت تقارير عن وصول مئات الخبراء من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا من المنظمة العسكرية الخاصة التي تسمى غريه ستون (Gray stone). ونقلت تقارير عدة أن عددا من الأجانب شاركوا في بعض الأحداث، ونحبذ أن تجري التحقيقات في هذه الوقائع كذلك. حين طرحنا هذه المسألة في مباحثاتنا مع الشركاء الأمريكيين، أعلنوا أنهم لا يعلمون شيئا عن ذلك، بعد توجههم مباشرة إلى "غريه ستون" طلبا للاستفسار، فالشركة نفت هذه الوقائع. لكننا نريد أن نحصل على معلومات مؤكدة عن هذه الأنشطة ومن يقوم بها لأننا رأينا الكثير من الأمثلة على تشويه الحقائق، وذلك في حال تحدثنا بطريقة دبلوماسية.
س.: أثناء المقابلة ذكرتم جون كيري العديد من المرات. بغض النظر عن الاختلافات في وجهات نظركما، يبدو أنكما تتواصلان وتلتقيان أكثر مما تلتقيان مع أقاربكما. برأيكم هل يمكنكم التوصل مع كيري إلى اتفاق على صعيد شخصي؟
ج.: لقد توصلنا إلى اتفاق بشأن سورية، وكذلك اتفقنا حول إيران، واتفقنا أيضا حول أوكرانيا في السابع عشر من أبريل/نيسان في جنيف. على الصعيد الشخصي، علاقاتنا تسير بشكل جيد للغاية، لكننا نفهم كذلك أنه يوجد لدينا رؤساء ومستشارون، وذلك أحيانا يعيق العمل فحسب. قلت لكيري مرارا إننا لا نعتبر هذه العلاقات شراكة حقيقية، لأنه من الناحية العملية بغض النظر المسألة التي نخوض فيها، يحاول الأمريكيون إلقاء كامل المسؤولية على الروس. وفي حال لم تظهر الأزمة الأوكرانية، لبرزت مسائل أخرى، كما جرى بشأن إيران منذ البداية، وحينها قال الأمريكيون إن الروس يجب وعليهم أن يفعلوا هذا وذاك، وكلام من قبيل أنه فقط لو تحدثت روسيا مع إيران... ولو أن روسيا توقفت فحسب عن بيع الأسلحة لإيران لاستسلمت الأخيرة على الفور، وكانت المشكلات قد تحلحلت، وكان جرى حل المسألة النووية الإيرانية.
وبعدها اندلع الصراع السوري، وقالوا وما زالوا يقولون إنه فقط لو طردت روسيا الأسد لعادت المياه إلى مجاريها، وكانت الديمقراطية قد سادت في سورية. وهلم جرا. نستنتج من كل كلامهم أن حل الأزمة السورية بالكامل مناط فقط بروسيا. وفي حقيقة الأمر يربطون الحل بروسيا وإيران. والآن يقولون إن حل الأزمة الأوكرانية يرتبط بشكل كامل وشامل بروسيا. أقول إن هذا النهج أناني للغاية وغير واقعي إطلاقا، وكذلك الأمر بالنسبة لمحاولة الإلقاء بمسؤولياتهم على كاهل الآخرين.
وبالحديث عن سورية، فقد صدر إعلان مؤخرا، والذي للأسف حظي بدعم رئيس المنظمة الأممية. الأمريكيون أعلنوا مؤخرا أن الانتخابات التي حدد موعدها الأسد في الثالث من يونيو/حزيران القادم ستكون غير شرعية، لأنه بداية يجب تشكيل حكومة انتقالية على أساس دستور جديد للبلد، وهلم جرا. ذكر بيان جنيف بالفعل أهمية تشكيل هيئة حكم انتقالي يتوجب عليها القيام بإصلاحات دستورية، وأنه بعدها وعلى أساس هذه الإصلاحات يجب أن تجرى الانتخابات العامة.
ولكن تسلسلا مشابها لما جاء في بيان جنيف جاء أيضا في الاتفاقية لحل الأزمة الأوكرانية، والموقعة في الحادي والعشرين من فبراير/شباط الماضي، وجاء فيها أنه في البداية يجب تشكيل حكومة ثقة وطنية، وبعدها تجري الإصلاحات الدستورية، وفقط بعد إعلان الدستور الجديد تجري الانتخابات. الأشخاص الذين نظموا الانقلاب في أوكرانيا وأطاحوا برئيسها الشرعي، استحوذوا على السلطة، وأعلنوا نفسهم حكومة، ومنذ البداية لم يتطرقوا إلى ذكر الإصلاحات الدستورية، بل قالوا إنه في الخامس والعشرين من مايو/أيار القادم ستجري الانتخابات الرئاسية.
وحين ذكّرنا سلطات كييف بأهمية الإصلاحات الدستورية التي من دونها لن يعترف الجزء الجنوبي الشرقي من البلد بشرعية ما يجري فيه، تذكرت السلطات هذا الالتزام، لكنها قررت إرجاءه إلى وقت لاحق. ويعتبر الغرب أن ذلك من الشرعية بمكان، أي أن نفس أولئك الذين يعلنون في الولايات المتحدة أن الانتخابات الرئاسية في سورية لن تكون شرعية دون إجراء إصلاحات دستورية، هم أنفسهم يعترفون بشرعية الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المحدد موعدها في الخامس والعشرين من مايو/أيار القادم، وذلك من دون أية إصلاحات دستورية.
س.: هل يعني ذلك أن روسيا لن تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
ج.: سنعترف بنتائج الانتخابات التي ستعتمد على مشاركة جميع سكان أوكرانيا. أما القرار حول إعلان الانتخابات دون إيجاد نقاط مشتركة مع جنوب أوكرانيا وشرقها قد يكون قرارا مهلكا بالنسبة للبلاد برمتها. يجب ألا تكون تصريحات السلطات غير مسؤولة وخالية من المصداقية، إذ ينبغي الوفاء بجميع الالتزامات.
وعلى سبيل المثال، فقد وافقوا في نهاية المطاف على إجراء الإصلاح الدستوري ومناقشة مستقبل وضع اللغة الروسية كما تشاء أقاليم الجنوب والشرق. ولكن مع ذلك يجب الإصغاء الى مطالب جميع أقاليم أوكرانيا والحصول على موافقتها على القرارات المتَّخذة وإشراكها في العملية على قدم المساواة. وكل تلك القرارات والإصلاحات إن كانت تتعلق بالفدرلة أو التخلي عن مركزية السلطة يجب طرحها على بساط الاستفتاء. وبالمناسبة، صرح جون كيري أثناء اللقاء مع الصحفيين في جينيف أن الأقاليم ستحصل على الحكم الذاتي. فليكن كذلك، لأن المصطلحات لا تكتسب أهمية بالغة بهذا الصدد. أما الأمر الأهم بالنسبة لنا فهو أن تكون الأقاليم راضية وأن تقرر مصيرها بنفسها داخل الدولة التي بدورها ستحترم حقوقَ الأقاليم ولغاتها وتقاليدها الثقافية والتاريخية وأبطالَها وحقها في تطوير العلاقات مع الجيران لاسيما أن الأقاليم الروسية والأوكرانية ترتبط بعُرى تعاون وثيق. هذا وتريد الأقاليم أن تقوم بانتخاب مستقل لقياداتها وإبقاء حصتها من الواردات الضريبية في الميزانيات المحلية لأغراض التنمية بدلا من إرسال كافة الواردات الى كييف، ثم انتظار المِنَن والعطايا من هناك.
س.: معالي الوزير، تحدثتم مع ساسة أمريكيين كثيرين فضلا عن جون كيري، وتبادل الطرفان تصريحات شديدة اللهجة. هل تشكل لديكم انطباع بأن أمريكا مستعدة لمواجهة شديدة مع روسيا حول الملف الأوكراني؟
ج.: كما قلت، لا يكمن الأمر في أوكرانيا. أوكرانيا هي حالة منفردة، تتجلى فيها عدم رغبة أمريكا في التنازل في الصراع الجيوسياسي. والأمريكيون غير مستعدين للاعتراف بأنهم في واشنطن لا يستطيعون بسط السيطرة على كل أنحاء العالم وفرض قراراتهم وإملاءاتهم على الجميع. وليس بوسعهم أن يتداركوا ذلك أو بالأحرى بدأوا بادراك ذلك، لكنهم لا يزالون وبصورة غريزية يتمسكون بموقفهم السابق الذي وفقا له لا يشعرون بداع لأخذ آراء ومصالح الآخرين بعين الاعتبار. لكنهم الآن بدؤوا يغيرون مواقفهم، ولو ببطء، وبفضل ذلك تسنى لنا التوصل إلى بعض الحلول الوسط فيما يتعلق بالسلاح الكيميائي السوري والبرنامج النووي الإيراني، وكذلك توصلنا إلى حل وسط في جينيف حول أوكرانيا. لكن بعد التوصل إلى اتفاقيات يحاولون تحقيق مبتغاهم وعدم تنفيذ التزاماتهم. ومن المحتمل أن يكون ذلك رد فعل طبيعي لطرف يرغب في التوصل إلى نتيجة تتفق ومصالحه على نحو كامل، ومع ذلك...على سبيل المثال، فيما يخص البرنامج النووي الإيراني كانت الاتفاقية واضحة جدا بهذا الشأن، بيد أنه وأثناء تنفيذها بدأ الأمريكيون يضيفون إليها مطالب جديدة. لم يناقش البرنامج الصاروخي الإيراني سابقا في إطار تلك المفاوضات، ولم تدرج هذه القضية في نص الاتفاقية الموقعة في جينيف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكن عندما بدأت عملية تنفيذ الاتفاقية طرحت الولايات المتحدة مسألة البرنامج الصاروخي، الأمر الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى تقويض عملية التفاوض بكاملها.
وكان نفس الوضع حول القضية السورية، إذ وقعنا على الاتفاقية حول نزع السلاح الكيميائي والتي كانت ولا تزال تطبق في الواقع على نحو ناجح إلى حد ما، وأشاد بذلك ممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة حظر السلاح الكيميائي الذين يشاركون في تلك العملية.
ولكن منذ البداية، ومنذ اليوم الأول، بدأت الولايات المتحدة بإثارة القلق، معلنةً أن الحكومة السورية تماطل ولا تنفذ التزاماتها التي تعهدت بها. وفي نفس الوقت في تصريحاتها تجاهلت الولايات المتحدة الواقع بالكامل، علما بأن الحكومة السورية كانت بحاجة إلى كمية أكبر من المعدات العسكرية لتنفيذ التزاماتها، الأمر الذي ساعدت فيه كل من روسيا والصين، سوريا التي كانت بحاجة أيضا الى عناصر إضافية لمراقبة أعمال المتطرفين والجهاديين ومنعهم من أية أعمال استفزازية، طالما كانت تُنفذ عملية نقل ترسانة الأسلحة الكيمائية من مستودعاتها الى الميناء وغير ذلك. وذلك يعني أن الولايات المتحدة، في كل مرة نقوم بتوقيع اتفاقية ما معها، تبدأ بتحميل مسؤولية أي تأخير لغيرها أو أسوأ من ذلك تبدأ بتقديم متطلبات جديدة تتناقض تماما مع الاتفاقية التي تم التوصل إليها. وهذا هو بالذات ما يقوم به الأمريكيون الآن فيما يتعلق باتفاقية جينيف الخاصة بأوكرانيا وأنا آمل أن يتصرّف الأمريكيون بمسؤولية ولا يفكروا بكيفية تطبيق خططهم الجيوسياسية وتلبية مصالحهم الأنانية بل بمستقبل أوكرانيا.
أوكرانيا أقرب جيراننا حيث يرتبط سكانها بالروس بعُرى القرابة والأخوة. وإذا فكرنا جميعا ليس بالاستحواذ على أوكرانيا بل بالبلد نفسه وبرؤية الأوكرانيين لمستقبلهم فسيتسنى لنا تقديم المساعدة لهم والوصول الى حل وسط وتحقيق المصالحة الوطنية.
تعليق مراسلنا من موسكو:
تعليق رئيس تحرير صحيفة أوكرانيا بالعربية محمد فرج الله والمحلل السياسي ودميتري أبزالاف من مركز الدراسات السياسية في موسكو ومن واشنطن الصحفي والكاتب عمر المقداد:
المصدر: RT