يبلغ تعداد تتار القرم في شبه جزيرة القرم ذاتها حوالي 260 ألف نسمة، أي 12% من إجمالي تعداد سكان المنطقة (إضافة إلى وجود جاليات تترية كبيرة في تركيا وغيرها من الدول)، حيث يشكلون في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي أقلية قومية ذات أصول تاريخية عريقة.
تعود مرحلة بلورة تتار القرم كقومية منفصلة ناطقة بإحدى لغات العائلة اللغوية التركية إلى تاريخ إمارة (خانية) القرم التي ظهرت أواسط القرن الـ15 نتيجة لتفكك دولة المغول ("الاورطة الذهبية")، لتقع فيما بعد في تبعية الدولة العثمانية وتصبح حليفة لها في سياستها الخارجية.
بدأت الحقبة الروسية في تاريخ تتار القرم في نهاية القرن الـ 18، مع بسط سيطرة الإمبراطورية الروسية على شبه الجزيرة هذه نتيجة لانتصارها على الدولة العثمانية عام 1783. منذئذ شهدت الفترة ما بين 1790 و1850 موجات عدة من هجرة التتار من شبه الجزيرة إلى أراضي الدولة العثمانية، منهم نحو 200 ألف هاجروا من المنطقة بعد انتهاء حرب القرم (1853-1856).
فعلى تخوم القرنين الـ19 والـ20 شهد المجتمع التتري نهوض النزعات السياسية التحررية، الأمر الذي أسفر عن إعلان "حكومة القرم القومية" والبرلمان الخاص بالتتار (كورولتاي) بعد انهيار النظام القيصري في روسيا في فبراير /شباط 1917.
بعد انتهاء الحرب الأهلية التي بدأت في روسيا بعيد الثورة البلشفية (أكتوبر/تشرين أول 1917) أعلنت عام 1921 جمهورية القرم الاشتراكية السوفيتية الذاتية الحكم التي كانت اللغتين الرسميتين فيها هما الروسية والتتارية.
وفي مايو/أيار 1944 قامت السلطات السوفييتية بإلغاء الجمهورية وترحيل قرابة 230 ألف من التتار إلى مناطق آسيا الوسطى، وذلك بتهمة تواطؤ التتار الواسع مع الاحتلال النازي لشبه جزيرة القرم خلال الحرب العالمية الثانية.
وخلافا لغالبية الأقليات القومية التي عاشت الترحيل الإجباري في عهد ستالين وسمح لهم بالعودة من منفاها في أواسط خمسينات القرن الماضي، لم يتمكن تتار القرم من البدء في العودة إلى أرض وطنهم إلا في ظل حكم ميخائيل غورباتشوف عام 1989. وواجه العائدون إلى شبه الجزيرة (التي كانت قد انتقلت من قوام روسيا الاتحادية إلى قوام أوكرانيا بموجب قرار الرئيس السوفيتي الأسبق نيكيتا خروشوف عام 1954)، واجهوا مشكلات عديدة، منها البطالة وصعوبة الحصول على أراض صالحة للزراعة الخ.. ولحل هذه المشكلات انعقد عام 1991 "الكورولتاي" الثاني. واختار نوابه أعضاء "المجلس الشعبي لتتار القرم" الذي أصبح "حكومة غير رسمية" للتتار والتي ترأسه الناشط السياسي المعتقل سابقا مصطفى جميلوف حتى عام 2013 ، ليخلفه في هذا المنصب رفعت تشوباروف.
في 26 فبراير /شباط 2014 تظاهر آلاف من التتار في عاصمة القرم سيمفيروبل احتجاجا على إقالة حكومة جمهورية القرم الذاتية الحكم المعينة من قبل سلطات كييف، وشهد محيط مقر الحكومة والبرلمان المحليين وسط المدينة اشتباكات عنيفة بين المحتجين التتار ومتظاهرين مناوئين لهم ينادون بانضمام القرم إلى روسيا. وعلى الرغم من إعلان سلطات القرم الجديدة استعدادها لمنح التتار ضمانات للحفاظ على حقوقهم، بل وتعزيز تمثيلهم في أجهزة الحكم وإعطاء لغتهم صفة لغة رسمية إلى جانب اللغتين الروسية والأوكرانية، إلا أن ذلك لم يغبر موقف "المجلس التتاري" بزعامة رفعت تشوباروف الذي اعلن عدم اعتراف منظمته بحكومة القرم الجديدة ونيتها مقاطعة الاستفتاء المرتقب حول انضمام القرم إلى روسيا.
المصدر: RT