يمكن القول إن ما يعرف في الأدبيات العربية التقليدية بنكبة فلسطين، قد بدأ رسميا وبشكل عملي مع إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، القرار رقم 181 والخاص بتقسيم فلسطين، في محاولة لحل النزاع العربي اليهودي في تلك الفترة الأخيرة من الوقت الضائع.
صوتت لصالح قرار تقسيم فلسطين، 33 دولة في الأمم المتحدة، فيما اعترضت 13، وامتنعت عن التصويت 11، وكان مجمل عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حينها 57 دولة فقط.
القرار نص على تقسيم فلسطين إلى 3 مناطق، تقام في إحداها دولة عربية مساحتها نحو 11 ألف كيلو متر مربع، وتضم الجليل الغربي وعكا والضفة الغربية ومنطقة ساحلية تمتد من شمال مدينة أسدود حتى رفح جنوبا، إضافة إلى قسم من صحراوي على طول الحدود مع مصر.
الدولة الأخرى خصصت لليهود ومساحتها 15 ألف كيلو متر مربع، وشملت بحسب خطة التقسيم، السهل الساحلي من حيفا إلى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا والنقب وإيلات.
وقضت خطة التقسيم الدولية بوضع القدس وبيت لحم وما جاورها من أراض تحت الوصاية الدولية.
ذلك القرار ظهرت إرهاصاته الأولى عام 1937، عقب ما يعرف بالثورة العربية الكبرى عام 1936، من خلال صدور تقرير لجنة اللورد بيل البريطانية، والذي تضمن أول مقترح لتقسم فلسطين، وعقبها صدر تقرير لجنة "وود هيد" البريطانية عام 1938 حاملا مشروعا مماثلا.
القرار قوبل برفض عربي رسمي وشعبي، واعتبر باطلا ومجحفا، وسارت تظاهرات منددة به في شوارع القاهرة، وتسارعت الاستعدادات لتشكيل جيش الإنقاذ، وخيم خيار الحرب والرفض المطلق بشكل وطيد منذ ذلك التاريخ على سماء المنطقة.
توالت الأحداث بعدها، وسجّل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة موقفا متميزا حيال هذا الأمر الجلل في الثالث من مارس عام 1965، ما عرضه إلى عاصفة من النقد والتجريح تواصلت ربما لعقود طويلة.
في ذلك التاريخ زار بورقيبة مدينة أريحا في إطار جولة له في الأردن ولبنان، وحينها دعا هذا الزعيم الذي تزعم بلاده بين عامي 1957 - 1987، العرب إلى اتباع سياسة المراحل والتخلي عن نهج "الكل أو لا شيء"، وشدد على أن العرب لو قبلوا بالتقسيم عام 1947، لكان حالهم أفضل مما هو عليه.
أكمل لاحقا الزعيم التونسي الراحل تغريده المنفرد في 21 أبريل/نيسان من ذات العام، ودعا في تونس إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة قرار التقسيم.
واقترح أن تتنازل إسرائيل عن ثلث المساحة التي احتلتها منذ تأسيسها لإقامة دولة فلسطينية عليها، وأن يعود اللاجئون الفلسطينيون، وأن تعقد مصالحة بين العرب وإسرائيل وتنتهي حالة الحرب في المنطقة.
لم تكن المنطقة العربية قادرة على هضم مواقف مشابهة لما صدر عن بورقيبة، فانهالت عليه سيول من التنديد والإدانة والاتهام، ومضت المنطقة العربية بقضها وقضيضها متمسكة بلاءاتها، وشهدت حربا تلو أخرى ونكبة وراء نكبة، إلى أن باتت الدعوة إلى العودة إلى حدود ما قبل 1967 أقصى المنى وأشهى الأمنيات، فهل كان بورقيبة على حق؟
لا يمكن الحكم على التاريخ، أي تاريخ بمثل هذه السهولة، خاصة أننا نتحدث عن تاريخ شائك، غاية في التعقيد، إلا أن اللافت أن الكثيرين لا يزالون يؤمنون بأن بورقيبة ارتكب جريمة كبرى لا تغتفر حين دعا قومه إلى أن يتريثوا، ويأخذوا ما يستطيعون، ثم يحاولوا لاحقا الحصول على ما تبقى، خطوة وراء أخرى.
محمد الطاهر