ويرى خبراء ودبلوماسيون تحدثوا لـRT عربية، أن هذه الخطوة تحمل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري، ولدول البحر الأحمر كافة بشكل عام، لما تحمله من طموحات عسكرية إسرائيلية في جنوب البحر الأحمر، وهي المساعي التي سبق واعتبرتها القاهرة "خط أحمر".
وفي رد فعل سريع، أعلنت الخارجية المصرية اليوم الجمعة، عن تحركات دبلوماسية في مواجهة الخطوة الإسرائيلية "الخطيرة"، شملت إلى جانب القاهرة، الصومال وجارتها جيبوتي، بالإضافة إلى تركيا، الحليفة القوية لمقديشو، والتي لعبت كذلك دورا مهما في تهدئة التوترات المتعلقة بذات الإقليم "أرض الصومال" عندما سعت إثيوبيا للاعتراف به دولة مستقلة مقابل الحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية.
وبعد إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، "اعتراف إسرائيل الرسمي بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة"، قالت الخارجية المصرية إن الوزير بدر عبد العاطي، أجرى مباحثات هاتفية مع نظرائه في تركيا والصومال وجيبوتي، وأكدوا "الرفض التام وإدانة" هذه الخطوة، مشددين على أن "الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول سابقة خطيرة وتهديد للسلم والأمن الدوليين".
مزايا استراتيجية مهمة
وتقول السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الإفريقية، إن المزايا الاستراتيجية المهمة للغاية التي يتمتع بها إقليم أرض الصومال كان حافزا مهما لإسرائيل للتحرك وانتهاز فرصة التوتر في منطقة القرن الإفريقي وخرق السيادة الصومالية، سعيا لوضع قدمها في المنطقة الاستراتيجية التي تطل على خليج عدن وتتحكم في مدخل البحر الأحمر، والذي ينتهي بقناة السويس في مصر.
وأوضحت أن تواجد إسرائيل في هذه المنطقة يجعلها أقرب إلى إيران، والحوثيين في اليمن، فضلا عن التحكم في حركة الملاحة باتجاه قناة السويس في مصر، مشيرة إلى أن إسرائيل تفكر في مجموعة فوائد مهمة سواء أمنيا أو اقتصاديا لما تتمتع به المنطقة من موارد كبيرة.
خط أحمر مصري
وشددت على ما تمثله الخطوة الإسرائيلية من تهديد للأمن القومي المصري، موضحة أن التسهيلات التي ستقدمها صومالي لاند، قد تشمل إتاحة إنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية، والتي قد تتضمنكذلك تسهيلات لإثيوبيا بشكل ضمني من خلال إسرائيل، وذلك بعدما سعت أديس أبابا العام الماضي بشكل علني إلى إنشاء ميناء بحري وقاعدة عسكرية، قبل أن تتصدى مصر لهذه الخطوة بقوة.
وتعتبر مصر إقامة قواعد عسكرية على البحر الأحمر لغير دوله "خط أحمر"، وسعت على مدار العامين الأخيرين مع دول القرن الإفريقي، لمواجهة أية مساعي للتواجد عسكريا في المنطقة، خاصة بعد تحركات إثيوبيا.
ويتفق السفير صلاح حليمة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، على أن إسرائيل "من المؤكد أنها تستهدف من وراء هذه الخطوة التواجد عسكريا"، مشيرا إلى أن الموقع الاستراتيجي لصومالي لاند يمثل إغراء لعدة دول، هي: إسرائيل وإثيوبيا والإمارات وأمريكا، للتواجد في هذه المنطقة.
ونوه في حديثه لـ"RT" إلى خطورة هذا التحرك على الأمن القومي المصري والعربي والأمن في منطقة البحر الأحمر بشكل عام، وهو سبب رد الفعل السريع من الدول الأربع مصر وتركيا والصومال وجيبوتي، تنديدا بالاعتراف الإسرائيلي.
طموحات عسكرية في القرن الإفريقي
وأشار إلى أن تواجد إسرائيل في الجنوب من خلال أرض الصومال، بجانب تواجدها في الشمال بإيلات، يمثل خطورة كبيرة على الأمن القومي المصري، موضحا أن "إسرائيل كدولة معادية، عندما تتواجد في جنوب البحر الأحمر وكذلك في شماله وكأنها تتحكم في البحر بقوات وقواعد عسكرية، فهذا يهدد الأمن القومي". كما أن الخطوة ستؤثر اقتصاديا على مصر، لارتباط حركة الملاحة في البحر الأحمر بحالة الاستقرار في المنطقة.
واعتبر السفير حليمة أن التحرك الإسرائيلي ليس منفردا، بل هي طموحات من الرباعي المؤلف من إسرائيل وإثيوبيا والولايات المتحدة ودولة عربية خليجية، قائلا إن هذا الرباعي "وراء ما يجري من تفتيت في دول المنطقة"، كما يحدث في اليمن والسودان والصومال.
وبحسب الدبلوماسي المصري، فإن التركيز على الصومال في الوقت الحاضر نتيجة التوترات في البحر الأحمر، مضيفا أن مساعي التواجد في الصومال ليس جديدا، فقد كانت هناك تشاورات في الكونغرس للاعتراف بأرض الصومال ولدعم إثيوبيا ليكون لها منفذ بحري وقاعدة عسكرية.
ولفت إلى التحالف الرباعي المقابل، المتمثل في مصر وتركيا وجيبوتي والصومال، موضحا أن لـ أنقرة مصالح سياسية واقتصادية مهمة في الصومال، فتتواجد بقاعدة عسكرية وتمتلك علاقات سياسية على درجة عالية من التشاور والتنسيق مع مقديشو، كما أن لها استثمارات ضخمة جدا هناك.
ويتفق الخبراء على أن الخطوة ستؤدي إلى عزل إقليم أرض الصومال دوليا، ولن تحظى بأية اعترافات دولية أخرى، وإلى جانب أن الوقوف إلى صف نتنياهو، "المطلوب دوليا كمجرم حرب"، فإن أية مساعي لاستقبال فلسطينيين من قطاع غزة، في إطار محاولات إسرائيل المتكررة لتهجيرهم قسريا، سيضع قادة الإقليم أمام مسؤولية قانونية دولية.
وأكد حليمة، أن الاعتراف الإسرائيلي سيواجه رفضا دوليا واسعا، كما ستتحرك الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لرفض هذه المساعي الانفصالية في الصومال.
وحول إمكانية استغلال إسرائيل هذه العلاقة، لتهجير الفلسطينيين إلى أرض الصومال، قال "حليمة" إنها واردة في ظل عمل إسرائيل المتواصل لتهجير الفلسطينيين، فضلا عن التصريحات الغريبة لرئيس إقليم أرض الصومال التي هنأ فيها نتنياهو بما وصفه الانتصار على "الإرهاب".
انتهاك جسيم للقانون الدولي
ومن ناحية قانونية، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، إن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال كدولة مستقلة يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي ويكشف عن أجندة خطيرة تهدف إلى تفتيت دول المنطقة وتهديد الأمن القومي العربي والإفريقي.
وقال الدكتور مهران في تصريحات لـ RT إن القانون الدولي المعاصر يرفض بشكل قاطع الاعتراف بالأقاليم الانفصالية، مؤكدا أن مبدأ وحدة الأراضي وسلامتها الإقليمية يعد من المبادئ الأساسية الراسخة في القانون الدولي والتي لا يجوز المساس بها.
وأوضح أن ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية الفقرة الرابعة ينص صراحة على احترام سلامة الأراضي والاستقلال السياسي للدول، وأن أي اعتراف بكيان انفصالي يمثل انتهاكا لهذا المبدأ الجوهري.
القاهرة: أحمد العيسوي
المصدر: RT