على مدى أكثر من 13 عاما، فشل المسار التفاوضي بشأن سد النهضة الإثيوبي من أن يؤتي ثماره أويقنع أي من الطرفين المصري والإثيوبي بجدواه، وتتجه الأمور رويدا رويدا نحو وضع أكثر تصادمية.
وحملت الأسابيع الأخيرة تطورات مهمة، سواء فيما يتعلق بمخاطبة كلا الدولتين لمجلس الأمن بعد وصول السد إلى مرحلة الملء الخامس واقتراب المشروع من الاكتمال، أو فيما يتعلق بإرسال مصر معدات عسكرية إلى الصومال، في انتظار نشر آلاف الجنود المصريين قريبا هناك، وهي خطوة يرى خبراء، أنه لا يمكن فصلها عن ملف سد النهضة.
وفي مطلع سبتمبر الجاري، أرسلت مصر خطابا جديدا إلى مجلس الأمن الدولي، ترفض فيه السياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، وتؤكد انتهاء مسارات المفاوضات "بعدما وضح للجميع أن أديس أبابا ترغب فقط في تكريس الأمر الواقع، ضمن استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لحل، مع سعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي".
وردت إثيوبيا الاثنين الماضي، على خطاب مصر، وقالت إن "ادعاءاتها لا أساس لها من الصحة"، زاعمة أن "استخدام الموارد الطبيعية يقع ضمن الولاية الوطنية للدول"، رافضة الاعتراف بأنه نهر دولي مشترك تمتلك الدول الأخرى المار في أراضيها، حقوقا فيه.
وبعد انتهاء المسار التفاوضي، بحسبما أعلنته مصر قبل نحو 10 أشهر، نحاول استكشاف الحلول الأخرى المتبقية أمام القاهرة، وسط ما تراه من تعنت إثيوبي، ورفض الحلول التفاوضية كافة.
وفي هذا الصدد، يقول السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن المفاوضات على مدار أكثر من 13 عاما، أثبتت أنه لا إرادة لدى الإثيوبيين للتوصل إلى اتفاقية تراعي المصالح المصرية، ما يهدد بقاء الدولة المصرية التي تعتمد بشكل كامل على نهر النيل كمورد رئيسي للمياه.
ويضيف الدبلوماسي المصري السابق، لـRT، أن اللجوء إلى مجلس الأمن، كان أحد الحلول بعد استنفاد الحلول الثنائية التفاوضية، وتعارض مصالح الدولتين، فمصر تواجه ما يسمى "مصلحة بقاء"، فهي تحت تهديد بقاء المصريين على إقليم دولتهم، بينما إثيوبيا تسعى للتنمية وإنتاج وبيع الكهرباء.
وكانت آخر المحاولات التفاوضية، العام الماضي، بعد اتفاق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال زيارة الأخير إلى القاهرة في يوليو 2023، على هامش قمة دول جوار السودان، وحددا سقفا زمنيا بـ4 أشهر.
وفي ديسمبر، أعلنت وزارة الري المصرية، انتهاء الاجتماع الرابع والأخير من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، في أديس أبابا "دون تحقيق أي نتائج"، معلنة انتهاء المسارات التفاوضية "على ضوء المواقف الإثيوبية، الرافضة للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة".
ويرفض القويسني، التسليم بنفاد جميع الحلول السلمية بعد فشل المسار التفاوضي، باعتبار أن السياسة هي فن الممكن، لكن قد يساعد في ذلك بعض "الخشونة"، لتحفيز الطرف الآخر على إعادة النظر في مواقفه، بحسب قوله.
ويرى أنه لم يتبق لمصر إلا الدفاع عن مصالحها بكل الطرق الممكنة، وهو ما عبر عنه خطاب مصر الأخير إلى مجلس الأمن، وذلك بعد فشل المفاوضات واللجوء إلى منظمات إفريقية كالاتحاد الإفريقي، ومنظمات دولية وقوى كبرى كالولايات المتحدة.
ويؤكد الدبلوماسي المصري السابق أن الخيار الذي لم يستنفد هو "الصدام الخشن"، بما يتضمن من عمليات عسكرية أو التهديد، مشيرا إلى أن وضع قوات مصرية في الصومال، تجعل سد النهضة، على مرمى البصر، وهو ما قد يدفع إثيوبيا لإعادة التفكير في مواقفها، بعدما كانت تظن أنها "بعيدة وفي مأمن".
ويوضح أن الهدف من الصدام الخشن هو تحفيز الطرف الآخر على إعادة النظر في مواقفه، ولا يعني بالضرورة استنفاد الحلول السياسية كاملة، ولكن يمكن تحفيزها، منوها بوجود بعض الأوراق الأخرى، مثل الاستثمارات الصينية والإماراتية الكبيرة في إثيوبيا، التي قد تمثلان ضغطا على أديس أبابا لإعادة التفكر.
في حين يعلق أستاذ القانون الدولي الدكتور صلاح الطحاوي، على مزاعم إثيوبيا بأن نهر النيل، هو نهر وطني وليس دوليا، قائلا إنها مزاعم لا قيمة لها، وإن أديس أبابا تخالف القانون الدولي واتفاقية الأنهار الدولية التي وقعت عليها، معتبرا أن استمرار التعنت الإثيوبي، يعطي لمصر الحق في الدفاع عن نفسها، باعتبارها قضية وجودية.
ويشير الخبير القانوني إلى أن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الجاري، هي فرصة لعرض القضية على الجمعية، كما يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن تحت الفصل السابع، لإلزام إثيوبيا بالتعاون.
ويختص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يمكن اتخاذه من أعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، وبموجبها يقدم مجلس الأمن توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
ويرى الطحاوي، أنه في حالة عدم التزام إثيوبيا وفشل كل الحلول معها، فمن حق مصر اللجوء إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وهي مادة تقر بحق الدول في الدفاع عن أنفسها.
جدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعلن في نهاية أغسطس الماضي، اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق بنسبة 100% بحلول شهر ديسمبر المقبل، واصفا ذلك بالإنجاز التاريخي.
وتوقع رئيس الوزراء الإثيوبي، أن يرتفع مخزون بحيرة سد النهضة إلى ما بين 70 و71 مليار متر مكعب بحلول ديسمبر، من إجمالي 74 مليار متر مكعب هي السعة الكلية المستهدفة للسد.
المصدر: RT
القاهرة: أحمد العيسوي