مباشر

روسيا في الشرق الأوسط.. انخراط بعيد عن منطق الأحلاف

تابعوا RT على
اعتبرت مسؤولة بوزارة الخارجية الروسية أن ابتعاد موسكو عن "منطق الأحلاف" يضمن لها حرية اليد في الشرق الأوسط، حيث تسعى إلى جمع جهود الجهات الإقليمية في مواجهة التحديات الكبرى.

وفي مقال نشرها منتدى "فالداي" الدولي للحوار على موقعه الإلكتروني، اليوم الخميس، أشارت كبيرة المستشارين بقسم التخطيط في الوزارة، ماريا خودينسكايا-غولينيشيفا، إلى أن سياسة موسكو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يمكن فهمها بمنأى عن تاريخ انخراط الاتحاد السوفيتي في شؤون المنطقة، كدوره في تحطيم منظومة الاستعمار البريطاني والفرنسي، وتعزيز القوات المسلحة لدول المنطقة ومساعدتها على إنشاء بناها التحتية الأساسية.

وبهذا الصدد، تؤكد الكاتبة أن الظروف الراهنة، وفي مقدمتها طي صفحة "الحرب الباردة"، تتيح لروسيا فرصة ممارسة سياسة متعددة المسارات وخالية من اعتبارات إيديولوجية في الشرق الأوسط، ما لا يمكن قوله حول سياسة الولايات المتحدة (وخاصة سياسة إدارة دونالد ترامب) في المنطقة.

وتشير خودينسكايا-غولينيشيفا إلى أن العقلية السياسية الخالية من "منطق الأحلاف العسكرية"، مكنت روسيا من المشاركة في جميع المحافل متعددة الأطراف للتسوية السورية، من المجموعة الدولية لدعم سوريا إلى "صيغة أستانا"، وذلك بالتوازي مع تنفيذ اتفاقات ثنائية عبر وضعها ضمن إطار هذه الصيغة القائمة أو تلك، كاتفاق تم توقيعه في القاهرة، في صيف 2017، بين العسكريين الروس وفصائل المعارضة السورية المسلحة حول وقف إطلاق النار في غوطة دمشق الشرقية وجوبر وحمص، أو محادثات بين الجانب الروسي وممثلي الفصائل المسلحة، أسفرت عن إعادة عدد من مناطق "خفض التصعيد" في البلاد تحت سيطرة الحكومة السورية، وهي خطوات تم تقديمها على أنها جهود اتُّخِذت في إطار تنفيذ "قرارات أستانا".

ولفتت كاتبة المقالة إلى أن بدء عملية سلاح الجو الروسي، في خريف 2015، دعما لجهود الحكومة السورية في مكافحة الإرهاب، جاء كمنعطف كبير في سياق التسوية في سوريا، وأن هذه العملية لقيت تقييما إيجابيا من قبل غالبية الأطراف الإقليمية، حتى من قبل الدول التي دعمت في حينها القوى المعارضة للحكومة السورية (كتركيا والسعودية وقطر والإمارات)، ناهيك عن الدول التي كانت تركز على أجندة مواجهة الإرهاب أو تعارض "تجميد" عضوية دمشق في جامعة الدول العربية (كمصر والعراق والجزائر). ذلك أن العملية الروسية هذه، وإن كانت تعزز موضوعيا مواقع الحكومة السورية "على الأرض"، كان يُنظر إليها في المنطقة في سياق "عودة موسكو إلى الشرق الأوسط"، على اعتبارها عاملا إيجابيا كفيلا بأن "يوازن" سياسة واشنطن المثيرة للجدل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وذكرت مستشارة الوزارة أنه لم تكن هناك دولة واحدة من دول المنطقة لتنضم، بصورة رسمية، إلى الحملة الغربية الموجهة ضد روسيا بسبب خطواتها في سوريا، ولم تتخذ أي من هذه الدول إجراءات من شأنها إظهار عدم قبولها لنهج موسكو إزاء سوريا، إذ استهدفت انتقاداتها "نظام دمشق" وحده.

وأشار المقال إلى أن منظمات مموّلة من قبل الغرب كـ "العفو الدولي" و"هيومن رايتس ووتش" و"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، جرى توظيفها لتشويه حقيقة أهداف العملية الروسية في سوريا من الزاوية "الإنسانية"، حيث تم تكليف هذه المنظمات بجمع معلومات تدعم اتهام "نظام بشار الأسد" بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تمهيدا لإضفاء صفة "شرعية دولية" على هذه المعلومات عبر عدد من آليات الأمم المتحدة (كمفوضية حقوق الإنسان)، على أن يكون الاستنتاج هو: "الأسد ومقربوه مجرمو حرب - روسيا تساعد الأسد في ارتكاب جرائمه - على روسيا أن تتحمل جزءا من المسؤولية".

ولفتت الكاتبة إلى إن روسيا تنجح، على خلاف الولايات المتحدة، في الحفاظ على علاقات عمل مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، ومن أبرز دلائل ذلك قيام "صيغة أستانا"، التي نشأت فكرتها بعد فشل الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن حلب الشرقية (سبتمبر 2016)، الذي عجزت واشنطن عن تنفيذ بنوده، كسحب قوات المعارضة المسلحة مع أسلحتها الثقيلة من طريق الكاستيلو. وأثمرت "صيغة أستانا" الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران في عقد اتفاقات عدة "ميدانية" وسياسية، من بينها إجراء مؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي الروسية وقرار تشكيل اللجنة الدستورية السورية.

كما أشارت خودينسكايا-غولينيشيفا إلى فشل محاولات لتقديم التعاون بين موسكو وطهران في سوريا على أنه محور "روسي شيعي" يرفضه العالم العربي، لا سيما دول الخليج، والمعارضة السورية "السنية". وتابعت الكاتبة أن روسيا أصبحت الدولة الوحيدة المنخرطة في تسوية الأزمة السورية، التي حافظت على اتصالات مع جميع الأطراف، أي الحكومة السورية ومنظمات المعارضة السياسية والمسلحة (باستثناء المنظمات المصنفة إرهابية)، إضافة إلى اتصالاتها مع الدول الأخرى المشاركة في عملية التسوية. كما هناك أمثلة لعمليات مشتركة بين روسيا والمعارضة السورية المسلحة، كعملية خاضها العسكريون الروس مع عناصر مجموعة "شباب السنة" لتحرير وادي نهر اليرموك من إرهابيي "داعش". كما هناك أمثلة للتعاون بين روسيا وإسرائيل كقيام الجانب الروسي بضمان انسحاب القوات الموالية لإيران من الجولان، إضافة إلى وجود الشرطة العسكرية الروسية في منطقة مرتفعات الجولان، الأمر الذي يضمن الأمن هناك وتهيئة الظروف المواتية لنشاط قوات الأمم المتحدة المعنية بفض الاشتباك بين الجيشين السوري والإسرائيلي.

وحول أهداف السياسة الروسية في المنطقة، تقول الكاتبة إن تقليص التهديد الإرهابي يعد من أهم أولوياتها، إلى جانب أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة في بلدان الشرق الأوسط، وتحويل جميع مسارات تغيير الأنظمة في هذا الدول إلى مجاريها الدستورية، وهو مبدأ مطلق ينطبق على كل دولة (سواء أكانت أوكرانيا أو فنزويلا أو سوريا)، وهو أمر يرتبط كذلك باعتبارات السياسة الداخلية في روسيا وحرص موسكو على منع تنفيذ مشاريع "الهندسة السياسية الخارجية" في الجمهوريات السوفيتية السابقة ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لروسيا.

أما الهدف الأبعد مدى لسياسة روسيا الخارجية في المنطقة، فيتلخص في تشكيل "شبكة" من الشراكات المستقرة مع جميع الجهات الفاعلة هناك، من أجل زيادة وترسيخ وجود موسكو في الشرق الأوسط، وذلك اعتمادا على ابتعادها المتساوي عن مراكز القوة الإقليمية وحرية سياستها من الاعتبارات الإيديولوجية.

المصدر: "valdaiclub.com"

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا