رحلة الجواد العربي الاصيل من جزيرة العرب الى سهوب روسيا الثلجية
تابعوا RT على
ورد ذكر الجواد العربي الأصيل في روسيا في مطلع القرن السابع عشر في ما يسمى "الفترة المظلمة".
لكن بعض خبراء تربية الجياد أشاروا الى أنه في فترة حكم القيصر الروسي ايفان الرهيب (القرن السادس عشر) كانت الجياد الآتية من الشرق، ولا سيما الجياد العربية، تحظى بالتقييم الرفيع في اسطبلات القيصر.
وجلبت أعداد كبيرة من الجياد العربية الأصيلة الى روسيا في النصف الثاني من القرن السابع عشر في فترة الحرب مع تركيا ، علما ان أكثريتها كانت في حوزة الكونت اورلوف مربي الجياد الموهوب، الخبير الكبير في هذا المضمار.
وفي عام 1771 قدم والي سورية كهدية الى اورلوف جوادا عربيا أصيلا كميتا أطلق عليه إسم "علي بك"(نسبة الى الوالي) مع عدة أفراس.
وبعد توقيع اتفاق الصلح مع تركيا حصل اورلوف كهدية على عدة جياد وأفراس ممتازة من أعيان الأتراك ، وكذلك من السلطان نفسه. وجلبت كافة الجياد الى روسيا بحرا بواسطة السفن في عام 1771 ، ولكن جلب عن طريق البر جواد واحد فقط من سلالة مشهورة إسمه "سميتانا"، ودفع اورلوف ثمنا له 60000 روبل (وهو مبلغ طائل في ذلك الزمان اذا ما علم ان ثمن البقرة عندئذ كان 3 روبلات). وفي عام 1776 نقل الجواد الى روسيا من جزيرة العرب عبر تركيا والمجر وبولندا بمرافقة الحرس وبشهادة من السلطان التركي. وكان ارتفاع "سميتانا" حتى أعلى الكاهل يعادل 4ر153 سم. وقد جرت الاستفادة منه في فترة موسم واحد ونفق في عام 1777 وخلف اربعة ذكور وأنثى واحدة.
أما الجواد الاصيل الآخر الذي جلب الى روسيا في عام 1775 فهو "سلطان الاول" وقد جرت الاستفادة منه لمدة موسم واحد وخلف ثلاثة ذكور وأنثى واحدة.
وبالرغم من ان فترة استخدام "سميتانا" و"سلطان الاول" كانت قصيرة فقد تركا اثرا عظيما في تربية الخيول في روسيا ، حيث استحدثت سلالتان جديدتان منهما هما: جواد اورلوف الخاب وجواد الركوب الروسي.
وقبل ثورة 1917 البلشفية كانت مزرعة ستروغانوف في شمال القوقاز، حيث وجد 100 جواد في اسطبلاتها، تعتبر أكبر مزرعة لتربية الجياد العربية الاصيلة في روسيا .
وفي عام 1921 تأسست في موقع ضيعتي ستروغانوف وسلطان غيري سابقا مزرعة تيريك الحكومية لتربية الجياد المشهورة في العالم أجمع. وفي اعوام الثلاثينيات حين ساد "الركود العظيم" في اوروبا الغربية اشترى الاتحاد السوفيتي جيادا ثمينة للغاية في فرنسا وبريطانيا من أجل تكاثرها. وفي عام 1939 جلبت من بولندا ومن ثم من المانيا بعد الحرب مجموعة من الجياد العربية الممتازة.
واكتسبت مزرعة تيريك لتربية الجياد الاصيلة نبضة قوية حين تم في اواخر الستينيات استلام جوادين عربيين اصيلين من مصر، هما "النيل" و "أسوان" بصفة هدية من الرئيس المصري جمال عبدالناصر الى الاتحاد السوفيتي. ومما يؤسف له ان النيل نفق بعد ان خلف 16 جوادا من سلالته ، أما أسوان فقد مارس تأثيرا لا يقدر بثمن في تربية الجياد من هذه السلالة. وخلف أسوان خلال فترة استخدامه كجواد للتكاثر 249 من الذكور والاناث المشهورة ليس في الاتحاد السوفيتي فقط ، بل وفي الكثير من بلدان العالم. وأقيم في مزرعة تيريك لتربية الجياد نصب للحصان أسوان بالحجم الكامل.
وفي عام 1972 أصبح الاتحاد السوفيتي عضوا في المنظمة العالمية لتربية الجواد العربي الاصيل، ومنذ تلك اللحظة ازداد الاهتمام بالجياد العربية الاصيلة الواردة من الاتحاد السوفيتي.
وحظيت تربية الجياد العربية الاصيلة في الاتحاد السوفيتي بالاهتمام، على الأخص في امريكا الشمالية بفضل الجواد "موسكات" الذي اصبح " البطل الوطني " للجياد في كندا والولايات المتحدة. وخلف موسكات في فترة استخدامه في التكاثر حوالي ألف حصان وفرس، منها بطل الولايات المتحدة "عنبر ساتين". وحاز على الشهرة في الولايات المتحدة ايضا الجواد "مارسيانين" (ساكن المريخ) ابن الجواد أسوان الذي اصبح بطل الولايات المتحدة ايضا. اما "ايكزوتيكا" ابنة "مارسيانين" فقد بيعت في الولايات المتحدة حين كانت في سن اسبوعين بمبلغ 425 ألف دولار.
ودفع رجل الاعمال الامريكي ارماند هامر في عام 1981 مبلغ مليون دولار لشراء الجواد العربي "بيسنيار"، وكانت تلك أول مرة يُدفع فيها مثل هذا المبلغ لقاء جواد في العالم بأسره. ودفع مبلغ كبير لإستئجار الجواد "مينيس". وفيما بعد منح الجواد "الامبراطور" ابن "مينيس" لقب بطل العالم بين الجياد في العرض الذي أقيم في "صالون دو شيفال" في باريس. وبيع الجواد "بيلينغ" بمبلغ مليوني دولار، وكان ناجحا في تجديد النسل.
وفي العقود الاخيرة بدأت بلدان الخليج العربي بشراء الجياد العربية الاصيلة ذوات الاصول الروسية من اوروبا والولايات المتحدة، وكذلك من روسيا. واصبح بطل الامارات العربية المتحدة كل من الجواد "بيسبيتشني" والجواد "باكستان". وفي عام 1992 اشترت سلطنة عمان مجموعة من الجياد العربية الاصيلة كان من أبرزها الجواد "دونتشاك". وتوجد في قطر مجموعة من خيرة الجياد العربية ذات الاصول الروسية وفي مقدمتها جواد السباق الممتاز "سامبيست" الذي ولد في الولايات المتحدة من ابن "موسكات" والفرس "بروكازنيتسا" في الاسطبل الملكي في المملكة العربية السعودية.
واشار معلق مجلة "Race Week " الصادرة في الامارات العربية المتحدة الذي شاهد سباق الخيل في بريطانيا الى ان الجواد "دروغ" (الصديق) هو جواد فذ لم ير مثيلا له من قبل. وكان "دروغ" قد بيع الى الامارات العربية المتحدة، وفي أغلب الظن فإنه كان يعتبر زينة اسطبلات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وتجري تربية الجياد العربية الاصيلة بروسيا في عدة مزارع منها مزرعة "تيريك" الحكومية لتربية الجياد في شمال القوقاز، وفي مزرعة " أوروس" الاهلية في اقليم كراسنودار، وفي مزرعة " ايكفيلاين" حيث يتم تجديد نسل الجياد العربية الاصيلة الممتازة. كما توجد مزارع أهلية لتربية الجياد العربية في أقاليم وسط روسيا.
ان الجواد العربي الأصيل من السلالات التي يتم تكثيرها في روسيا ويتميز بكرم المحتد وجمال وانسجام الهيئة والجاذبية في الحركة والمتانة وبعض الصفات المهمة في مجال السباق. وتوجد في السوق العالمية مجموعة كبيرة من الجياد العربية الممتازة ذوات الاصول الروسية، وبعضها تعتبر نادرة المثال فحسب.
لقد كتبت راقصة البالية الشهيرة غالينا اولانوفا في سجل الزائرين في مزرعة تيريك لتربية الجياد " يمكن ان تشعر راقصات باليه كثيرات في العالم بالحسد من سحر وجمال الجياد العربية الاصيلة".
د. الكسندر كورلايف
يعتبر الدكتور الكسندر كورلايف أحد الخبراء البارزين في مجال دراسة تأريخ ظهور الجواد العربي الاصيل في روسيا، كما انه يتابع بإهتمام جميع ما يتعلق بذلك في العالم العربي والعالم أجمع. فهو يعرف اسماء الجياد التي تشارك في حلبات السباق في اوروبا وامريكا والاقطار العربية واصحابها وكثيرا من التفاصيل المتعلقة بنسبها ونسلها. وتضم شقته المتواضعة في احد الاحياء في اطراف موسكو مجموعة فريدة من اللوحات الفنية عن الجياد العربية الاصيلة وتعتبر كل لوحة في آن واحد عملا فنيا رائعا ووثيقة تأريخية لا تقدر بثمن.
ولد كورلايف في موسكو عام 1944 وتخرج في عام 1968 من كلية البصريات والميكانيكا بمعهد مهندسي المساحة ورسم الخرائط باختصاص تصميم وصنع الاجهزة البصرية-الميكانيكية والبصرية-الالكترونية. وما زال كورلايف حتى الآن يمارس مهنته الاصلية ويلقي المحاضرات في معهده.
وقاده ولعه بالفروسية الى الاهتمام بسلالات الجواد العربي الأصيل وكيفية ظهوره في بلاد ذات مناخ يختلف كليا عن مناخ جزيرة العرب موطن هذه الجياد . فصار يبحث في ما كتب حول هذا الموضوع، وقام بنشر دراسات كثيرة عنه في مجلة " تربية الجياد ورياضة الفروسية" ومجلة " عالم جياد الفروسية " ومجلة"ريساك وسكاكون"(جواد السباق والجواد الخاب) وغيرها من الصحف ذات العلاقة.
وعمل كورلايف خلال سنوات عديدة في جمع لوحات فنية كبيرة لأشهر الجياد العربية، وتوجد في مجموعة لوحاته حول الجياد الآن قرابة 50 لوحة . علما انه يضع مع الفنان نفسه الفكرة الاساسية للوحة وبالاخص فيما يتعلق بتصميم الخلفية التي يظهر عليها الجواد لكي تناسب تأريخ حياته والبلد الذي نقل اليه. وتعتبر هذه المجموعة من اللوحات الوحيدة من نوعها في روسيا وربما في العالم . وقد خص كورلايف موقع قناة "RT" بنشر بعض هذه اللوحات مع تعليقات حول كل جواد عربي ومصيره بعد مغادرته روسيا الى البلدان الأخرى.
الكاتب: د . الكسندر كورلايف