رجيف – مدينة روسية قديمة على نهر الفولغا واحدى مدن المجد العسكري
تابعوا RT على
تقع مدينة رجيف على ضفتي نهر الفولغا على بعد 200 كلم من منابع النهر. تبلغ مساحة المدينة اكثر من 56 كيلومترا مربعا وعدد نفوسها مايقارب من 65 الف نسمة.
مساحة المدينة أكثر من 56 كيلومترا مربعا وعدد نفوسها مايقارب من 65 الف نسمة. تبعد المدينة عن مدينة تفير مسافة 130 كم.
تعتبر سنة 1216 السنة الرسمية لتأسيس المدينة بالرغم من وجود دلائل عديدة تشير الى وجود المدينة قبل هذا التاريخ بفترة طويلة. ومن اهم الوثائق التي تشير الى قدم المدينة هو ذكرها في المدونات التاريخية عام 1019 وكذلك عام 1150 بكون المدينة تعود الى امارة سمولينسك.
ان موقع المدينة الجغرافي منحها فرصة كبيرة لتطوير التجارة، كما ان قربها من الحدود الغربية للدولة اعطاها اهمية دفاعية كبيرة. فخلال القرنين 13 و 14 كانت الحياة في المدينة صعبة للغاية وان أي جهة كانت تسيطر على المدينة كانت تحصل على قلعة حصينة وتسيطر على الطرق التجارية، لهذا كانت المدينة القلعة موضع صراع دائم بين المدن المحيطة بها، وهي تفير ونوفغورود التي حاولت جهدها لاخضاع المدينة لسيطرتها. في القرن الـ 14 بدأ صراع عنيف بين موسكو وامارة ليتوانيا الكبيرة من اجل السيطرة على المدينة التي كانت تنتقل من يد الى اخرى. وتشير الوثائق التاريخية الى اشتراك مقاتلين من المدينة ضمن قوات الامير دميتري دونسكوي عام 1386 في حملته على نوفغورود، وهذا يعني ان المدينة كانت تحت امرة امارة موسكو.
لقد اعطت موسكو المدينة اهمية كبيرة باعتبارها قلعة تحمي الحدود الغربية من هجمات البولنديين والليتوانيين. وازدادت الاهمية التجارية للمدينة حيث كانت تنطلق منها وتمر خلالها القوافل التجارية برا والسفن التجارية خلال نهر الفولغا، وادى هذا الى توسع المدينة وازدهارها، في نهاية القرن 17 بنيت فيها مبان حجرية ومستودعات ومرافئ جديدة واصبحت المدينة احد المراكز التجارية والصناعية في الامبراطورية الروسية. حيث كان يوجد فيها بنهاية القرن الثامن عشر 160 ورشة صناعية مختلفة. والقطاع الاساسي للصناعات كان انتاج الحبال التي كان يحتاجها الاسطول الروسي.
في نهاية القرن الـ 18 وبداية القرن الـ 19 تطورت الصناعة في المدينة بسرعة كبيرة وازداد عدد سكانها ليصل عام 1858 الى حوالي 20 الف نسمة. في عام 1870 ربطت المدينة بخطوط سكك الحديد وظهرت فيها المعامل والمصانع التي كان اكبرها مصنع انتاج ورق الكتابة. ومع بداية القرن الـ 20 بدأت المكننة تزاحم العمل اليدوي في المصانع والمعامل وعلى اثر ذلك ظهرت مؤسسات جديدة لانتاج الكتان والكحول والزيوت.
خلال العهد السوفيتي اصبحت المدينة من اكبر مراكز انتاج الكتان وافتتحت فيها مصانع عديدة للانسجة والورق والمواد الغذائية وغيرها.
لقد انعكس التطور الصناعي للمدينة على عدد نفوسها الذي بلغ عام 1940 حوالي 55 الف نسمة. واصبحت المدينة مركزا ثقافيا في المقاطعة حيث كان يوجد فيها 13 ناديا و20 مكتبة عامة ومتحفا اضافة الى المدارس العديدة والثانويات المهنية ودور السينما. واستمرت المدينة بالنمو والازدهار، ولم يكن هناك ما يشير الى المأساة التي كانت تنتظر هذه المدينة.
المدينة خلال الحرب الوطنية العظمى ( 1941- 1945)
شهدت المدينة خلال الحرب الوطنية العظمى معارك ضارية جدا لم تشهد مثيلا لها مدينة ثانية. فمنذ يوليو/ تموز عام 1941 بدأت الطائرات الحربية الالمانية بغارات مستمرة على المدينة، وفي اثناء معركة موسكو احتلت القوات الفاشية المدينة في 14 اكتوبر/ تشرين الاول ولمدة 17 شهرا.
لقد استمرت العمليات العسكرية في منطقة رجيف بدون انقطاع منذ يوم 8 يناير/ كانون الثاني عام 1942 ولغاية 31 مارس / اذار عام 1943 . كانت المسافة من خطوط الجبهة الى موسكو تعادل 150 كم. فقط، لهذا ركزت القيادة الالمانية هنا ثلثي قواتها المختارة المتكونة من الالمان فقط والتي حصلت على الخبرة من المعارك في اوروبا ( قوات جيش المركز). وضع هتلر خطة بداية الهجوم على موسكو من هذا المكان وهو ما توقعته القيادة السوفيتية.
معركة رجيف – من المعارك الدموية التي خاضتها القوات السوفيتية ضد القوات الالمانية التي جرت على محاور رجيف – سيتشوفسك.
تكونت معارك رجيف من اربعة عمليات هجومية مستقلة. العملية الاولى استمرت من شهر يناير/ كانون الثاني وانتهت في شهر ابريل / نيسان عام 1942 . العملية الثانية بدأت في شهر اغسطس/ اب عام 1942 . وبدأت العملية الثالثة في شهر ديسمبر/ كانون الاول من نفس السنة. والعملية الرابعة والاخيرة بدأت في شهر مارس/ اذار عام 1943 .
عند بداية العملية الاولى وفي اثناء الهجوم المعاكس للجيش الاحمر تم ابعاد القوات الالمانية عن موسكو مسافة تتراوح بين 100 و250 كم. الى منطقة تبعد عن رجيف حوالي 30 كم. غربا.
بدأت العملية الاولى ( عملية رجيف – فيازما ) يوم 8 يناير/ كانون الثاني والتي كانت جزءا من الهجوم المعاكس الذي بدأه الجيش الاحمر واستمرت الى شهر ابريل / نيسان. تمكنت الدبابات السوفيتية من اختراق الخطوط الدفاعية للقوات الالمانية غرب المدينة وكلفت قوات الجيش الـ 29 بتوسيع رقعة الاختراق ومن ثم تحرير رجيف بمساعدة الجيش الـ 31 . لم تقيم القيادة السوفيتية قوة العدو بشكل صحيح مما ادى الى وقوع الجيش الـ 29 في كماشة القوات الالمانية بالكامل. بلغت خسائر الجيش الاحمر في هذه العملية حوالي 770 الف مقاتل بين قتيل وجريح.
في 16 يوليو/ تموز 1942 قبل بدأ معركة ستالينغراد بيوم واحد امرت القيادة العسكرية السوفيتية المباشرة بالعملية الثانية ( عملية رجيف – سيتشوفسك ) ومن اهم خصوصيات هذه العملية كونها فجائية. تمكنت القوات السوفيتية من اختراق الخطوط الدفاعية للعدو وتقدمت في العمق لمسافة تتراوح بين 15 و 30 كلم باتجاه سيتشوفسك. وفي الفترة من 7 الى 10 اغسطس / اب عام 1942 قامت القوات الالمانية بهجوم معاكس. لقد شارك في هذه المعركة التي تعتبر احدى اكبر معارك الدبابات في التاريخ اكثر من 1500 دبابة من الجانبين وتمكنت القوات الالمانية من وقف تقدم الجيش الاحمر نحو سيتشوفيسك. بلغت خسائر الجيش الاحمر حسب ارشيف وزارة الدفاع حوالي 195 الف مقاتل بين قتيل وجريح.
ازداد الصراع على المدينة شدة وتمكنت القوات السوفيتية في شهر سبتمبر/ ايلول من اختراق خطوط دفاع القوات الالمانية والدخول الى المدينة حيث بدأت معارك ضارية في شوارعها. وتمكن الالمان من السيطرة على المدينة بعد خسائر جسيمة وجهود كبيرة. وكانت خسائر الجيش الاحمر في هذه العملية حوالي 400 الف مقاتل.
بدأ الهجوم السوفيتي الجديد في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1942 . وضع خطة هذا الهجوم القائد العسكري جوكوف وكانت الخطة تهدف الى توجيه ضربات قوية من الجناحين وتطويق وابادة القوة الاساسية لـ " جيش المركز "، لم ينجح الجيش الاحمر في هذه العملية وذلك لان قوات الجبهة الغربية لم تتمكن من تحقيق الخطة المناطة بها ولم تتمكن من لقاء القوات التي اخترقت الدفاعات الالمانية من الجانب الاخر والتي تعرضت بدورها الى هجمات قوية مضادة مما اضطر القيادة الى استخدام القوات الاحتياطية لانقاذ القوات المحاصرة. بعدها في 15 ديسمبر/ كانون الاول توقفت العمليات الهجومية السوفيتية وكانت خسائر الجيش الاحمر اكثر من 200 الف مقاتل.
في 6 فبراير/ شباط عام 1943 امرت القيادة العسكرية السوفيتية بالتحضير لعملية " رجيف – فيازما " الهجومية الثانية وكان الهدف من هذه العملية القضاء على القوة الاساسية لـ " جيش المركز " الألماني. لقد صرفت القيادة الالمانية ما كان لديها من عتاد وذخائر احتياطية في معارك الشتاء وتخوفت من امكانية وقوعها في الاسر، كما حصل في ستالينغراد، وبرهنت لهتلر ضرورة انسحابها من هذه الكماشة وتقليص طول الجبهة. وافق هتلر على هذا الطلب وامر بالانسحاب.
في 2 مارس/ اذار استلمت القوات السوفيتية امرا بالهجوم وكانت القوات الالمانية قد بدأت انسحابها المنظم. وصلت القوات السوفيتية الى ضواحي المدينة واحتلت عددا من القرى بعد معارك سريعة ضد القوات الالمانية وفي 3 مارس/ اذار حررت المدينة. لم تستقر القوات في رجيف بل تقدمت خلف القوات الالمانية المنسحبة مكبلة ايها خسائر كبيرة في الارواح والمعدات. في 31 مارس/ اذار تم ابعاد خط الجبهة 100 كم. اخرى نحو الغرب وازيل الخطر عن العاصمة موسكو. بلغت خسائر الجيش الاحمر في هذه العملية حوالي 39 الف قتيل وحوالي 100 الف جريح.
لقد بلغ عدد ضحايا عمليات رجيف حسب المعطيات الرسمية اكثر من مليون قتيل، ولكن هناك معطيات غير رسمية تقول ان عدد الضحايا تجاوز 2 مليون مقاتل أي ضعف عدد الضحايا في معركة ستالينغراد.
لقد نجحت قوات الجيش الاحمر خلال هذه المعارك الطاحنة رغم الخسائر الجسيمة التي قدمتها من ايقاف تقدم القوات الالمانية نحو موسكو مما اضطر القيادة الالمانية الى سحب جزءا من قواتها من ستالينغراد ونقلها الى رجيف.
قامت مجموعة من الصحافيين الامريكان بزيارة الى المدينة بعد تحريرها وبعد ان تجولوا بين انقاض المدينة قالوا " لايمكنكم اعادة بناء هذه المدينة حتى بعد 100 عام ". ولم يكن هؤلاء على صواب، لانه بعد سنة واحدة فقط تم بناء حوالي 1000 بناية سكنية واعيد بناء الجسر الحديدي على الفولغا وافتتحت مدرسة وروضة اطفال. واستمر اعمار المدينة وافتتحت فيها المدارس والمعاهد والمستشفيات والمكتبات العامة ومسرح صيفي ونواد. كما افتتحت المصانع الحديثة التي باشرت بالانتاج عام 1950 . في عام 1957 انجز بناء جسر جديد على الفولغا.
توجد في المدينة اليوم مصانع ضخمة لانتاج المعدات الكهربائية والرافعات البرجية والعادية اضافة الى مصانع المواد الغذائية والصناعات الخفيفة والاخشاب وصناعة الانسجة الكتانية التي تشتهر بها المدينة منذ القدم. يوجد في المدينة عدد من المتاحف اهمها متحف الحرب الوطنية العظمى ومتحف الاقليم وغاليري اللوحات الفنية وقاعات للمعارض ونادي اليخوت.
يعمل في المدينة اضافة الى المعاهد المهنية المتوسطة عدد من فروع الجامعات الروسية، وكنيسة سمولينسك (1861 ) ودور سكنية تعود للقرنين 18 و19.
المصدر: "RT"