لكن دراسة جديدة تقلب هذه الصورة رأسا على عقب، لتكشف أن الاضطراب النفسي لدى النساء لا يشبه صورته في السينما، بل يأخذ أشكالا أكثر خفاء وتعقيدا. فبينما يلجأ الرجل إلى العنف الجسدي، قد تلجأ المرأة إلى سلاح آخر: اضطرابها العاطفي الداخلي.
ويكمن الفرق الجوهري في أن المضطربات نفسيا غالبا ما يعانين من خلل عميق في فهم مشاعرهن وفقدان القدرة على الاستمتاع بأبسط مظاهر الحياة، وهي أعراض نادرا ما تظهر بنفس القوة لدى الرجال المضطربين نفسيا. وهذا الاكتشاف لا يعد مجرد تفصيل أكاديمي، بل هو كشف علمي قد يغير طريقة تشخيص وعلاج ملايين النساء حول العالم، خصوصا أولئك اللاتي بقين لسنوات يعانين في صمت لأن أعراضهن لم تطابق الصورة الذكورية التقليدية للاضطراب النفسي.
وخلال الدراسة، قام باحثون من جامعة بروكسل بمسح شمل 492 مشاركا، ووجدوا أن النساء اللائي يحملن سمات "الثالوث المظلم" - التي تشمل النرجسية والميكيافيلية والاضطراب النفسي - يعانين بشكل ملحوظ من حالتين عاطفيتين محددتين: العمى العاطفي، وهو عجز عن فهم المشاعر الذاتية، وانعدام التلذذ، الذي يتمثل في فقدان شبه كامل للمتعة والدافع. والغريب أن هذه العلاقة الواضحة تختفي تماما عند دراسة الرجال ذوي السمات النفسية المماثلة.
ويعزو الباحثون هذا التفاوت الجنساني إلى ثلاث فرضيات رئيسية:
1. العامل البيولوجي: قد تلعب الهرمونات مثل التستوستيرون - الذي يكون عادة أعلى لدى الرجال - دورا في تخفيف التعبير العاطفي الداخلي للضيق، وتوجيهه نحو سلوكيات خارجية مثل العدوانية والمخاطرة.
2. العامل الاجتماعي والثقافي: قد تتعلم النساء التعبير عن الضيق النفسي بصورة داخلية (كالحزن وفقدان المتعة) بسبب التوقعات الاجتماعية، بينما قد يعبر الرجال عنه بصورة خارجية (كالغضب والتهور).
3. نظرية التنظيم العاطفي: تشير الأدلة إلى أن النساء ذوات السمات النفسية المرتفعة غالبا ما يكون لديهن تاريخ من الاضطرابات العاطفية أو الصدمات المبكرة، ما قد يؤدي إلى صعوبة مزمنة في تنظيم المشاعر تظهر على شكل أعراض اكتئابية وعجز عن تحديد المشاعر.
وقد يوجه الرجال نفس المعاناة نحو سلوكيات خارجية كالعدوانية. وثالثا، تشير نظرية التنظيم العاطفي إلى أن النساء المضطربات نفسيا غالبا ما يحملن تاريخا من الصدمات المبكرة، ما يؤدي إلى عدم استقرار عاطفي مزمن.
وهذه النتائج تأتي متوافقة مع تحذيرات خبراء سابقين من أن الأدوات التشخيصية التقليدية تفشل في كشف الكثير من الحالات النسائية، لأن اضطراب الشخصية لديهن يتخذ أشكالا أكثر خفاء. فبينما قد يلجأ الرجل المضطرب نفسيا إلى العنف الجسدي المباشر، تميل المرأة إلى استخدام أدوات هيمنة أكثر دهاء كالتلاعب العاطفي، والإيذاء العلائقي عبر نشر الشائعات، والتحكم الاجتماعي، مستغلة في ذلك التوقعات الثقافية لأدوار الجنسين.
وتظهر الدراسة أن الاضطراب النفسي ليس كتلة واحدة متجانسة، بل هو ظاهرة معقدة تتشكل عبر تفاعل العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية. وهذا الفهم الأعمق ليس مجرد مسألة أكاديمية، بل قد يكون مفتاحا لتطوير أساليب تشخيصية أكثر دقة وبرامج علاجية أكثر فعالية، خاصة للفئات التي طالما بقيت في الظل بسبب قصور النماذج التشخيصية السائدة.
وتكشف هذه الدراسة أن الاضطراب النفسي ليس صورة واحدة، وأن فهم السمات العاطفية الداخلية والفروق بين الجنسين هو مفتاح أساسي لتشخيص أكثر دقة، خاصة بالنسبة للنساء اللاتي قد يظهرن الاضطراب بطرق أقل وضوحا وأكثر خداعا من الصورة النمطية السينمائية.
المصدر: ديلي ميل