لم يشتهر ابن بطوطة مثل أقرانه الأوروبيين. على سبيل المثال، يعرف الكثيرون في العالم الرحالة ماركو بولو الذي انكب الباحثون على أعماله وتحول إلى رمز في هذا الميدان، في حين أن ابن بطوطة "1304-1368"، لا يعرف على نطاق واسع في العالم على الرغم من أنه وصل إلى مناطق أبعد من تلك التي زارها قبل ذلك بنصف قرن، ماركو بولو "1254 –1324".
حين بلغ من العمر 22 عاما، انطلق ابن بطوطة في أول رحلاته من مسقط رأسه طنجة. وجهته الأولى كانت مكة المكرمة لأداء فريضة الحج. مر في تلك الرحلة بالإسكندرية بمصر، وكانت منارتها العجيبة لا تزال قائمة حينها.
وصف هذا الرحالة الكبير تلك الانطلاقة الأولى التي قام بها بمفرده على ظهر حمار قائلا: "قد انطلقت وحدي، دون أن يكون معي رفيق مسافر قد أجد البهجة في صحبته، ولا قافلة يمكن أن أنضم إليها، ولكنني كنت متأثراً بدافع طاغٍ بداخلي ورغبة عزيزة في صدري منذ زمن طويل لزيارة هذه المقدسات اللامعة. فعقدت العزم على ترك أحبتي، إناثا وذكورا، وهجرت بيتي كما تفارق الطيور أعشاشها. وكان والداي على قيد الحياة، وقد ثقل علي فراقهما، وقد أصابنا كلاهما وأنا حزن من هذا الفراق. كنت في الثانية والعشرين من عمري في ذلك الوقت".
أهمية هذا الرحلة المسلم الأمازيغي الذي كان فقيها وتولى القضاء في الهند وقام بمهمات دبلوماسية في عدة مناطق وخالط الملوك والأمراء وتعامل أيضا مع البسطاء من صائدي اللؤلؤ ووقادة القوافل، وواجه الكثير من الأخطار، تظهر من خلال المناطق البعيدة التي وصل إليها والتي ضمها كتابه "تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار" الذي أملاه على الكاتب ابن جزي الكلبي.
علاوة على مصر والحجاز وسوريا والعراق وآسيا الوسطى، زار بلاد فارس واليمن وتجول في سواحل شرق إفريقيا وعبر البحر الأسود وبلغ أراضي المغول فيما يعرف بالقبيلة الذهبية وزار مناطق بروسيا الحالية.
علاوة على كل ذلك تجول ابن بطوطة في مناطق السهوب على طول طريق الحرير وبلغ مناطق من غرب آسيا الوسطى.
قائمة زياراته تضم أيضا ترانسوكسانيا وأفغانستان بآسيا الوسطى، وصولا إلى دلهي بالهند وكذلك سومطرة والصين. بعض الدارسين يعتقدون أن ابن بطوطة لم يصل إلى البر الصيني، مرجحين أنه زار ما يعرف حاليا بفيتنام وكمبوديا.
أقدام ابن بطوطة وصلت إلى سيلان التي تعرف حاليا باسم سريلانكا وإلى جزر المالديف التي كرمته بنقش لصورته واسمه على عملة معدنية.
زار ابن بطوطة البحرين ووصف عمليا صيد لآلئها الشهيرة قائلا: "إذا أراد الغوص أتي بكسوة من عظم السلحفاة ويصنع منه شكل الأنف، ثم يربط في وسطه حبل ويغوص ويتفاوتون في الصبر في الماء فمنهم من يصبر الساعة أو الساعتين. ودون ذلك فإذا وصل الى قعر البحر يجد الصدف هناك فيما بين الأحجار مثبتاً في الرمل فيقلعه بيده أو يقطعه بحديد معه ويجعله بمخلاة جلد منوطة بعنقه فإذا ضاق نفسه حرك الحبل فيحس به الممسك للحبل من الساحل فيرفعه الي القارب فتؤخذ منه المخلاة فيفتح الصدف فيوجد في جوفه قطع لحم تقطع بحديده فإذا باشر بها الهواء وجمدت صارت لؤلؤا ويجمع جميعها من صغير وكبير".
من بين المواقف المثيرة والخطيرة التي تعرض لها ابن بطوطة حادثة جرت له أثناء إبحاره في سفينة قرب ساحل مليبار، جنوب غربي القارة الهندية. هناك كاد الرحالة أن يفقد حياته غرقا بعد أن هوجمت سفينته من قبل القراصنة الذين سلبوه كل أمتعته وثروته من اللآلئ والمجوهرات التي كان أهداها له حاكم سيلان ولم يتركوا له حتى ملابسه باستثناء "السروال"!
على الرغم من المخاطر الكبيرة التي واجهته، واصل ابن بطوطة السفر دون كلل. في رحلاته الأخيرة زار غرناطة ومناطق الصحراء، ثم وصل إلى مملكة مالي في غرب إفريقيا. في كل سفرة ترك للأجيال اللاحقة وصفا مليئا بالعجائب والغرائب والمبالغات، كما اعتاد الكتاب في عصره، علاوة على الكثير من المعلومات القيمة.
المصدر: RT