كان مرتادو الحانات في الموانئ غالبا ما يسمعون من بحارة متمرسين كانوا جابوا بحار العالم في رحلات طويلة، ربطت فيها الدول الأوروبية البحرية المستعمرات التي أقامتها في مختلف أرجاء الأرض، قصة مرعبة عن سفينة غامضة تعرف باسم "الهولندي الطائر".
البحارة كانوا يرون القصة بعيون جاحظة وأنفاس متسارعة، كيف أنهم رأوا بأم أعينهم أشرعة السفينة الشراعية القاتمة التي تقودها الأشباح، ونجو من موت محتوم.
تلك القصة الأسطورية تقول إن قبطانا هولنديا يدعى فيليب فان دير ديكن وبرواية أخرى فان ستراتن، كان على متن سفينته "الهولندي الطائر" قادما في عام 1641 في رحلة عودة من جزر الهند الشرقية إلى أوروبا
هذا القبطان اشتهر بطبع شرس وبقسوة لا حدود لها علاوة على ألفاظه النابية التي يلقيها على الجميع صباح مساء. في تلك الرحلة تصادف وجود زوجين شابين على متن السفينة. القبطان الكريه وقع في غرام المرأة الجميلة المتزوجة، وما كان منه إلا أن قتل زوجها ثم مد يده المضرجة بالدم يطلب أن تقبل به زوجا. المرأة المذهولة من وقع ما يجري دفعته بقوة بعيدا، ورمت بنفسها في البحر.
في تلك الأثناء وفيما كانت السفينة تحاول الإبحار حول رأس الرجاء الصالح، تعرضت لعاصفة هوجاء. انتشر السخط بين البحارة وطلب أفراد من طاقم السفينة من القبطان العنيف أن ترسو السفينة في انتظار انتهاء الطقس السيء، إلا أن القبطان رد بإطلاق النار على البحارة المتذمرين، وأقسم لهم بأنهم لن يروا الشاطئ إلى أن تدور السفينة حول رأس الرجاء الصالح حتى لو بقيت تبحر إلى الأبد.
في تلك اللحظة، وفقا للأسطورة، انفتحت السماوات، وجلجل صوت قائلا: "فليكن"!، ومنذ ذلك الحين تهيم سفينة "الهولندي الطائر" على وجهها في بحار الأرض من دون هدف.
البحارة المغرمون بالغرائب والعجائب في ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن الالتقاء بسفينة "الهولندي الطائر" التي تقودها الأشباح والأرواح الضائعة، لا يبشر بخير، وأن معظم من ظهرت لهم السفينة المشؤومة سرعان ما وجدوا أنفسهم في قاع البحر!
ذكرت قصة هذه السفينة في الأدبيات الأوروبية أكثر من مرة في القرن الثامن عشر، فيما بقيت الروايات عنها تتردد حتى القرن العشرين، وحولتها هوليود إلى سلسلة أفلام عن "قراصنة الكاريبي".
شهادات عن سفينة الأشباح وصفتها بأنها بدت غريبة جدا بأشرعة حمراء غامقة، وأنها كانت تتوهج دائما بضوء غامض، وأنها فأل سيء ينبئ بمصير مشؤوم.
باحثون هولنديون درسوا ظاهرة سفينة الأشباح هذه، ونقبوا في السجلات البحرية المحفوظة التي وثقت السفن وربابنتها وجميع الرحلات، ولم يعثروا على مركب "الهولندي الطائر" ولا على قبطان باسم فان دير ديكن.
تبين أن قبطانا كان يدعى برنارد فوك كان يعمل لحساب شركة الهند الشرقية الهولندي اشتهر بين عامي 1660 – 1670 في السجلات بأنه في عدة مرات قطع المسافة بين أمستردام وجاوة بإندونيسيا الحالية في ثلاثة اشهر ونصف بدلا عن المدة المعتاد خمسة أشهر.
تلك السرعة المذهلة وثقت، وانتشرت في ذلك الوقت شائعات من خصومه بأنه باع روحه للشيطان، وأنه بذلك تمكن من التحكم في الرياح واستعمالها لمصلحته. باحثون يعتقدون بوجود احتمال بأن أسطورة "الهولندي الطائر" استلهمت من هذا القبطان صاحب السرعة الفائقة على الإبحار.
باحثون آخرون أشاروا إلى أن رأس الرجاء الصالح يتميز بتيارين بحريين ساخن وبارد، تنجم عن التقائهما أمواج قوية وعنيفة، وأن المنطقة في تلك الفترة شهدت غرق أعداد كبيرة من السفن وهلاك بحارتها. تبعا لذلك يعتقد هؤلاء أن أسطورة سفينة الأشباح نسجت لتحمل رسالة تقول إن البحر أقوى من الإنسان. هذا الإنسان إذا طغى وتجبر، فسيتوه في اليم ولن يرسوا في أي مرفأ، وسيبقى مثل أمواج البحار، يتردد جيئة وذهابا بلا انقاع إلى الأبد.
المصدر: RT